باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء
بطاقات دعوية
حديث أبي هريرة، قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي
مناسبة هذا الحديث هي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: إنه كان يقصد رجلا غيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي»، يعني: لا مانع في أن يسمى أحد بمحمد، ولكن لا يكنى أحد بأبي القاسم، والكنية: كل اسم علم يبدأ بأب أو أم، وكنية النبي صلى الله عليه وسلم هي أبو القاسم
وقد أوضح السبب والعلة في تكنيه صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث جابر عند البخاري، فقال: «فإنما أنا قاسم»، أي: أعطي كل واحد ما يليق به، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري: «وأضع حيث أمرت»، فلا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا إلا بإذن من الله، فمن أعطيته قليلا فهذا بقدر الله، ومن أعطيته كثيرا فهذا أيضا بقدر الله
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته، فيسمى محمدا أبا القاسم، قيل: يحمل النهي على التكني بكنيته، سواء اسمه محمد أو لا. وقيل: يختص هذا النهي بزمانه صلى الله عليه وسلم
وأخبر صلى الله عليه وسلم أيضا في هذا الحديث أن الشيطان لا يتمثل في صورته صلى الله عليه وسلم، وأن من رآه في المنام على هيئته ووصفه المعروف المنقول إلينا في كتب السنة ولو في أي مرحلة من مراحل حياته، فإنه يكون رأى النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة؛ لأن الشيطان لا يمكنه التشبه بصورته، ومن رأى النبي صلى الله عليه وسلم على غير صورته المعروفة فلا يقال: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد تكون الرؤيا تعبيرا عن حال الرائي له صلى الله عليه وسلم، أو تخيلا منه هو لصفة النبي صلى الله عليه وسلم، أو تكون من الشيطان؛ لأن الحديث ذكر أن الشيطان لا يتمثل بصورة النبي صلى الله عليه وسلم
ولا يلزم من ذلك أن يكون الرائي من الصالحين، ولا يجوز أن يعتمد عليها في شيء يخالف ما علم من الشرع، بل يجب عرض ما سمعه الرائي من النبي صلى الله عليه وسلم من أوامر أو نواه أو خبر أو غير ذلك من الأمور التي يسمعها أو يراها الرائي للرسول صلى الله عليه وسلم على الكتاب والسنة الصحيحة؛ فما وافقهما أو أحدهما قبل، وما خالفهما أو أحدهما ترك؛ لأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وأتم عليها النعمة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يجوز أن يقبل من أحد من الناس ما يخالف ما علم من شرع الله ودينه، سواء كان ذلك من طريق الرؤيا أو غيرها، وهذا محل إجماع بين أهل العلم المعتد بهم
ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه؛ لأنه جريمة عظمى، ولا يساويه أي كذب على شخص آخر؛ لأن حقه أعظم، وحق الشريعة آكد، ولأن الكذب عليه ذريعة إلى إبطال شرعه، وتحريف دينه، وبين صلى الله عليه وسلم عقوبة الكاذب عليه بأن يتخذ لنفسه موضعا له في النار ويستعد لدخولها يوم القيامة؛ جزاء بما فعله من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وزجرا وتخويفا من الإقدام على هذه الكبيرة
وهذا في حق من كذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمدا قاصدا الكذب. والكذب عليه صلى الله عليه وسلم يكون بأن ينسب إليه صلى الله عليه وسلم ما لم يقله أو يفعله صلى الله عليه وسلم، أو يقر به
وفي الحديث: مشروعية التسمية بأسماء الأنبياء
وفيه: التحذير من نسبة شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم على غير الحقيقة