باب النهي عن الدخول على المغيبات
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وهي تحته يومئذ فرآهم فكره ذلك فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لم أر إلا خيرا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قد برأها من ذلك ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فقال لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة (1) إلا ومعه رجل أو اثنان. (م 7/ 8)
شَرَع الإسلامُ الاستئذانَ عندَ دُخولِ بُيوتِ النَّاسِ، كما مَنَع مِن الدُّخولِ على النِّساءِ في البيوتِ في غَيبة المحارِمِ؛ وذلك حِفظًا على الحُرماتِ بيْنَ المسْلِمين وسَدًّا للذَّرائعِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ «نَفَرًا» -وهو عَدَدُ ثلاثةٍ إلى عَشَرةٍ- مِن الرِّجال مِن بني هاشِمٍ دَخلوا على أَسْمَاءَ بنتِ عُمَيْسٍ زوجِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنهما، وكان قدْ تَزوَّجَها بعْدَ مَوتِ جَعفرِ بنِ أبي طالبٍ عنها، وتَزوَّجَت بعْدَ أبي بَكرٍ علِيَّ بنَ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنهم، وهي مِن الصَّحابيَّاتِ السَّابقاتِ في الإسلامِ، وكانت ممَّن هاجَرَ الهِجرتينِ، فدَخَل أبو بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عنه فرآهُم، «فكَرِه ذلك» أي: تَضايَقَ لوُجودِهم وحُضورِهم إلى بَيتِه وهو خارِجَ البيتِ، فذَكَر للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما حدَث، وقال: «لم أَرَ إلَّا خيرًا» يعني: لا أتَّهِمُها، ولا أتَّهِمُهم، ولم تَحصُلْ رِيبةٌ، وإنَّما كَرِه ذلك بمُقْتضى الغَيرةِ الجِبليَّةِ والدِّينيَّةِ، كما وقَعَ لعُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه في قِصَّةِ الحِجابِ.
فأخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا بَكرٍ بوَحيٍ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ أنَّ أسماءَ بنْتَ عُمَيْسٍ رَضيَ اللهُ عنها قدْ برَّأَها مِن الفاحشةِ، وهذا تَأكيدٌ وتَطييبٌ لقَلبِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه ببَراءةِ أهْلِه وبما اعتَقَدَه هو فيهم، فكَلمةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هي لحِفظِ قَلبِ أبي بَكرٍ مِن الشَّيطانِ؛ فإنَّ وَساوِسَه تَجْري مِن الإنسانِ مَجْرى الدَّمِ، كما وَرَد في الصَّحيحينِ، ثُمَّ قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المِنْبر يَخطُبُ في النَّاسِ فقال: «لا يَدخُلَنَّ رجلٌ بعدَ يَوْمِي هذا على مُغِيبَةٍ»، وهي الَّتِي غاب عنها زوجُها عن مَنزِلها، سواءٌ غابَ عن البلدِ بأنْ سافَرَ أو غابَ عن المنزلِ وإنْ كان في البَلدِ، «إلَّا ومعه رجلٌ أو اثنانِ»؛ سدًّا لِذَرِيعَةِ الخَلْوة، ودَفعًا لِمَا يُؤدِّي إلى التُّهَمة، وإنَّما اقتَصَر على ذِكر الرجلِ والرَّجُلَيْن؛ لِصَلاحِ أولئك القَوْمِ؛ لأنَّ التُّهَمةَ كانت تَرتفِعُ بذلك القَدْر، وأمَّا اليوم فلا يُكتفَى بذلِك القَدْر، بل بالجَماعةِ الكثيرةِ؛ لِعُمومِ المفاسِدِ، وخُبثِ المقاصدِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ أدبِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه؛ حيْث لم يَتكلَّمْ بسُوءٍ للَّذين وَجَدَهم في بَيتِه ومع زَوجتِه بغيرِ إذنِه.
وفيه: فضلُ أَسْمَاءَ بنتِ عُمَيْسٍ رَضيَ اللهُ عنها.
وفيه: النَّهيُ عن الدُّخولِ على المُغِيبَةِ مُنفَرِدًا.