باب النهي عن المنابذة والملامسة 1

سنن ابن ماجه

باب النهي عن المنابذة والملامسة 1

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة، عن عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم
عن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين: عن الملامسة والمنابذة (1).

في هذا الحَديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عَنْه: "نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن بَيعتينِ في بَيعةٍ"، أي: إنَّه نَهَى أنْ يَتناولَ عَقدُ البيعِ بَيعتَينِ على ألَّا يَتِمَّ منهما إلَّا واحدةٌ مع لُزومِ العَقدِ، سواءٌ كان أحدُهما بنَقدٍ واحدٍ، أو بنَقدَيْنِ مُختلفَينِ. وفُسِّرَ ذلك على وَجهينِ:
أحدُهما: أنْ يقولَ: بِعتُك هذا الثَّوبَ نقْدًا بِعَشرةٍ، ونَسيئةً مُؤجَّلًا بخَمسةَ عَشرَ؛ فهذا مَنْهيٌّ عنه؛ لأنَّه لا يُعلَمُ الثَّمنُ الَّذي يَختارُه منهما، فيَقعُ به العَقدُ، وإذا جُهِلَ الثَّمنُ بطَلَ البيعُ. وقيل: عِلَّةُ النَّهيِ هنا عَدمُ استِقرارِ الثَّمنِ ولُزومُ الرِّبا، عندَ مَن يَمنعُ بيْعَ الشَّيءِ بأكثرَ مِن سِعْرِ يَومِه لأجْلِ زِيادةِ الأَجلِ. والوَجهُ الآخَرُ: أنْ يقولَ: بِعتُك هذا العَبدَ بعِشرينَ دِينارًا، على أنْ تَبيعَني جاريتَك بِعَشرةِ دَنانيرَ؛ فهذا أيضًا فاسِدٌ؛ لأنَّه جعَلَ ثَمَنَ العبْدِ عِشرينَ دِينارًا، وشَرَط عليه أنْ يَبيعَه جاريتَه بِعشَرةِ دَنانيرَ، وذلك لا يَلزَمُه، وإذا لم يَلْزَمْه سقَطَ بعضُ الثَّمنِ، وإذا سقَطَ بعضُه صار الباقي مَجهولًا. وقيل: عِلَّةُ النَّهيِ هنا تَعليقُ البَيعِ بِشرْطٍ مُستقبَلٍ يجوزُ وُقوعُه وعدمُ وُقوعِه؛ فلم يَستقِرَّ المِلكُ. أمَّا إذا باعَهُ شَيئينِ بثَمنٍ واحدٍ- كدارٍ وثَوبٍ، أو عبْدٍ وثَوبٍ- فهذا ليس مِن بابِ البَيعتينِ في البَيعةِ الواحدةِ، وإنَّما هي صَفقةٌ واحدةٌ جَمَعتْ شَيئينِ بثَمنٍ معلومٍ.
كما نَهَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن "لِبْستَينِ: أنْ يَحتبِيَ أحدُكم في الثَّوبِ ليس بيْن فرْجِه وبيْن السَّماءِ شَيءٌ، وعن الصَّمَّاءِ؛ اشتمالِ اليهودِ"، فأمَّا الاحْتِباءُ بالثَّوْبِ: فهو أنْ يَضُمَّ الإنسانُ رِجلَيْه إلى بَطنِه بثَوْبٍ، ويَجْمعَهما مع ظَهرِه، ويَشُدَّ الثَّوبَ عليه، وقد يكونُ الاحتباءُ باليدَيْنِ عِوَضًا عن الثَّوبِ، وإنَّما نَهَى عنه؛ لأنَّه إذا لم يكُنْ عليه إلَّا ثوبٌ واحدٌ، فرُبَّما تحرَّكَ أو زَالَ، فتَبْدو عَوْرتُه، وأمَّا اشتمالُ الصَّمَّاءِ: فهو أنْ يَلُفَّ الإنسانُ جميعَ جسَدِه بالثَّوبِ، ولا يَرفَعَ شيئًا مِن جَوانبِه، فلا يُمكِنُه إخراجُ يدِه إلَّا مِن أسفَلِه؛ وسُمِّيَ بذلك لِسَدِّه المَنافِذَ كلَّها كالصَّخْرةِ الصَّمَّاءِ، وفيه تَشبُّهٌ باليهودِ الَّذين كانوا يَفْعَلون ذلك، وقد نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن التَّشبُّهِ بهم.