باب النهي عن سب الدهر 1
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال قال الله عز وجل (3) يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر (1) أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما. (م 7/ 45)
اللهُ ربُّ السَّمواتِ والأرضِ، وهو خالِقُ المكانِ والزَّمانِ، وهو على كلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، ويَجِبُ أنْ يكونَ له مِن التَّقدِيسِ والتَّعظيمِ في نُفُوسِ الخَلْقِ ما يُعبِّر عن عظيمِ الامتِنانِ له سُبحانَه
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قالَ: «يُؤذِيني ابنُ آدَمَ؛ يقولُ: يا خَيْبَةَ الدَّهرِ!» والمعنى: أنَّ ابنَ آدَمَ يقولُ عندَ النَّوازِلِ والمصائبِ: «يَا خَيْبَةَ الدَّهرِ»، والمرادُ بالدَّهرِ: الزَّمانُ، والزَّمانُ ليْس له القدرةُ على الضَّرِّ أو النَّفعِ، بلْ ذلك كلُّه مِنَ الخالِقِ سُبحانه الَّذي يُجرِي المقاديرَ والأقدارَ، فيكونُ ابنُ آدَمَ بذلك قدْ سَبَّ فاعِلَ النَّوازِلِ والحَوَادِثِ وخالِقَ الكائناتِ، وهو اللهُ سُبحانَه وتَعالَى، «فلا يَقولَنَّ أحدُكم: يا خَيبةَ الدَّهرِ؛ فإنِّي أنا الدَّهرُ؛ أُقَلِّبُ ليلَه ونَهارَه، فإذا شِئتُ قَبَضْتُهما»، أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هو الَّذي يُصرِّفُ ويُدبِّرُ الأمورَ، ويكونُ في الزَّمانِ ما أرادَهُ مِن خَيرٍ أو شرٍّ، وهو الَّذي يُقلِّبُ تَصاريفَ اللَّيلِ والنَّهارِ بِجَرَيانِهما وتَعاقُبِهما، وإنْ شاءَ اللهُ أَوْقَفَ حَركةَ اللَّيلِ والنَّهارِ والأكوانِ، فحَقيقةُ السَّبِّ تَعودُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فمَن سَبَّ السَّببَ فكأنَّه سبَّ الخالِقَ المسبِّبَ
وقولُه: «يُؤْذِينِي ابنُ آدَمَ» أي: يُخاطِبُني مِن القولِ بما يَتأذَّى به مَن يَصِحُّ في حَقِّه التَّأذِّي، لا أنَّ اللهَ تعالَى يَتأذَّى؛ لأنَّ التَّأذِّيَ ضَررٌ وألمٌ، واللهُ تعالَى مُنزَّهٌ عن ذلكَ، وهذه تَوسُّعاتٌ يُفهَمُ منها: أنَّ مَن يُعامِلُ اللهَ تعالَى بتلكَ المعامَلاتِ تَعرَّضَ لعِقابِ اللهِ تعالَى، ولمُؤاخذتِه الشَّديدةِ، فلْيَحذَرْ ذلك، ومِن بعضِ الأقوالِ السَّيِّئةِ
وقولُه: «وأنا الدَّهرُ» قدْ فُسِّرَ بقولِه: «أُقَلِّبُ لَيْلَهُ ونَهارَهُ، فإذا شِئْتُ قَبَضْتُهُما»، فهو سُبحانه خالِقُ الدَّهرِ وما فيه، وقدْ بيَّن أنَّه يُقلِّبُ اللَّيلَ والنَّهارَ، وهُما الدَّهرُ، ولا يُمكِنُ أنْ يكونَ المقلِّبُ (بكسْرِ اللَّامِ) هو المقلَّبَ (بفتْحِها)، وبهذا تَبيَّنَ أنَّه يَمتنِعُ أنْ يكونَ الدَّهرُ في هذا الحديثِ مُرادًا به اللهُ تعالَى
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن سَبِّ الدَّهرِ