باب بر الوالدين وصلة الأرحام 4
بطاقات دعوية
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم ، فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : نعم ، أما ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذلك لك ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( اقرؤوا إن شئتم : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } متفق عليه .
وفي رواية للبخاري : فقال الله تعالى : (( من وصلك ، وصلته ، ومن قطعك ، قطعته )) .
الأرحام: هم أقارب الإنسان، وكل من يربطهم رابط نسب، سواء أكان وارثا لهم أو غير وارث، وتتأكد الصلة به كلما كان أقرب إليه نسبا. وصلة الرحم من أفضل الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وقد أمر الله تعالى بها، وبين أن وصلها موجب للمثوبة
وفي هذا الحديث بيان ضرورة صلة الرحم، وما يترتب على قطعها والتفريط في حقوقها، والرحم: مشتقة من الرحمة، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى بعدما خلق الخلق، قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، والرحم: عرض معنوي، لكن لا يمنع أن تخلق على الحقيقة في جسد مادي، كما سيؤتى بالموت على هيئة كبش يوم القيامة فيذبح، والحقو هو الخصر، وموضع شد الإزار، وهو الموضع الذي جرت عادة العرب بالاستجارة به؛ لأنه من أحق ما يحامى عنه ويدافع، وقد يطلق الحقو على الإزار نفسه، وهذا الحديث من أحاديث الصفات، التي نص الأئمة على أنه يمر كما جاء، وردوا على من نفى موجبه.
ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن المولى سبحانه وتعالى قال للرحم وهي على هذا الحال: «مه»، أي: كفي وانزجري عن هذا، فقالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، يعني: قيامي هذا قيام المستجير بك من القطيعة، فقال المولى عز وجل: «ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟» قالت: بلى يا رب، قال: «فذاك»، أي: فهذا الذي ذكرت هو ما أفعله، وهو أنني أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، وهذا المراد بقوله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} [محمد: 22]، يعني: فهل يتوقع منكم إن توليتم أحكام الناس وتآمرتم عليهم، أو أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه أن تفسدوا في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدماء وتقطعوا أرحامكم؟!
وقد ورد الحث فيما لا يحصى من النصوص الشرعية على صلة الرحم، ولم يرد لها ضابط؛ فالمعول على العرف، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة، والواجب منها ما يعد به في العرف واصلا، وما زاد فهو تفضل ومكرمة، وأظهرها: معاودتهم، وبذل الصدقات في فقرائهم، والهدايا لأغنيائهم.
وخلاصة القول: أن مقصود هذا الكلام الإخبار بتأكد صلة الرحم؛ فإنها قد استجارت بالله سبحانه وتعالى، فأجارها، وأدخلها في ذمته وخفارته، وإذا كان كذلك فجار الله تعالى غير مخذول، وعهده غير منقوض
وفي الحديث: إثبات صفة الكلام لله عز وجل على ما يليق بجلاله وكماله