باب بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في السمن

بطاقات دعوية

باب بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في السمن

 عن جابر أن أم مالك - رضي الله عنها - كانت تهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندهم شيء فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي - صلى الله عليه وسلم - فتجد فيه سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عصرتيها قالت نعم قال لو تركتيها ما زال قائما (3). (م 7/ 60

جعَلَ اللهُ سُبحانه وتَعالَى للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَركةً ظاهرةً رآها أصحابُه رَضيَ اللهُ عنهم ونالُوها في حَياتِهم.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي جابرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ أُمَّ مالكٍ البَهزيَّةَ رَضيَ اللهُ عنها كانت تُهدي للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في «عُكَّةٍ لَها سَمنًا»، والعُكَّةُ وِعاءٌ صَغيرٌ مُستديرٌ مِنَ الجِلدِ يُوضَعُ فيه السَّمنُ، فكان أبناؤُها يَأْتون إليها فَيسألونَ ويَطلُبون منها «الأُدْمَ»، وهوَ كلُّ ما يُؤكَلُ مع الخُبْزِ، وليْس عِندَهم شَيءٌ مِنه؛ فكانت أمُّ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنها تَقصِدُ وتَذهَبُ إلى هذا الوعاءِ الَّذي كانت تُهدي فيهِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتَجدُ فيه سَمنًا، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ العُكَّةَ في الأصلِ فارغةٌ على ظَنِّها، إلَّا أنَّها تَجِدُ فيها في كلِّ مرَّةٍ سَمْنًا، فتَأخُذُ منه وتُطعِمُ أولادَها، فَما زالَ هذا الخيرُ مَوجودًا في هذا الوِعاءِ، «يُقيمُ لَها أُدْمَ بَيتِها» أي: أصبَحَ يَكفِيها هي وأهلَ بَيتِها، ولا تَحتاجُ أنْ تَشترِيَ شيئًا يُؤكَلُ مع الخبْزِ، وظَلَّت كذلك حتَّى عَصَرَت هذا الوعاءَ واستخرَجَت ما فيهِ مِن بَقايا دُهنٍ ونَحوِه، فانقطَعَ الإِدامُ ولم يَبْقَ شَيءٌ في القِربةِ، فذَهَبَت أمُّ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَخبرَتْه بالخبرِ جميعًا شاكيةً انقِطاعَ إِدامِ بَيتِها منَ العُكَّةِ، وإنَّما شَكَت لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك؛ لأنَّها عَلِمَت أنَّ السَّمنَ الَّذي بالعُكَّةِ كان على غيرِ العادةِ، وإنَّما كان مِن بَرَكةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عَصرِها للوعاءِ واستَخرَجَ جَميعَ ما فيه مِن السَّمنِ، فأَجابتْ: نَعمْ.

فأخبَرَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها لو كانتْ أخَذَت منها دُونَ عَصرِها -كما كانتْ عادتُها- لَظَلَّ السَّمنُ مَوجودًا دائمًا بالعُكَّةِ، وإنَّ البَركةَ إذا نَزلَتْ في شيءٍ وَلو كانَ قليلًا كَثُرَ ذلك القَليلُ.

وهذا يدُلُّ على أنَّ مَن رُزِقَ شيئًا، أو أُكرِمَ بكَرامةٍ، أو لُطِفَ به في أمرٍ ما؛ فالمتعيِّنُ عليه مُوالاةُ الشُّكرِ، وأنْ يَعلَمَ أنَّ ذلك بمَحضِ فَضلِ اللهِ تَعالَى وكَرمِه، لا بحَولِه ولا بقُوَّتِه، ولا استحقاقِه، ولا يَحدُثُ في تلكَ الحالةِ تَغييرًا، بلْ يَترُكُها على حالِها.