باب بيان اختلاف المجتهدين
بطاقات دعوية
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك؛ فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى؛ فخرجتا على سليمان بن داود، فأخبرتاه فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل، يرحمك الله، هو ابنها فقضى به للصغرى
الحكم بين الناس ينبغي أن يكون مبنيا على علم، ولا يتولى القضاء إلا العلماء العارفون بأحكامه وضوابطه، فإذا تولى القضاء من هو مؤهل له، واجتهد في كشف الحق، وأصاب في قضائه؛ نال أجره مضاعفا، وإن اجتهد وأخطأ، نال أجر اجتهاده، وعذر في خطئه
وفي هذا الحديث يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحادثة وقعت لنبيين كريمين: داود وابنه سليمان عليهما السلام، وهي أن امرأتين كانت في عهدهما، وكان لهما ابنان، فأكل الذئب ابن إحداهما، فقالت الصغرى: إنما ذهب بابنك، وقالت الكبرى: إنما ذهب بابنك لا ابني، وأخذت الولد، فتحاكمتا إلى داود عليه السلام، فحكم به للمرأة الكبرى؛ لأن الولد كان في يدها، وعجزت الأخرى عن إقامة البينة على صدق ادعائها. فذهبت المرأتان إلى نبي الله سليمان عليه السلام، فأخبرتاه بالقصة، وما وقع من حكم أبيه نبي الله داود عليه السلام، فقال سليمان قاصدا كشف حقيقة الأمر: ائتوني بالسكين أشقه بينهما؛ لأنه يعلم أن الإنسان يرضى بسرقة ولده ويبقى حيا، أولى من ذبحه أمامه، فأراد أن يختبرهما بذلك، وهذا من حسن السياسة وتوفيق الله تعالى له. فقالت الصغرى: لا تفعل ذلك، يرحمك الله، هو ابنها؛ شفقة على الولد، فعلم سليمان أن هذا لا يصدر إلا من أم، فحكم بالولد لها، خلافا لما قضى به داود عليه السلام، ولم يلتفت إلى إقرارها أنه ابن الكبرى؛ لأنه علم أنها ما أقرت به للكبرى إلا إيثارا لحياة الطفل. ويخبر أبو هريرة رضي الله عنه أنه لم يكن يعرف كلمة «السكين»، وأنه أول سماعه بها كان من النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وإنما كانوا يطلقون عليها في اليمن أو في قبيلته المدية
وفي الحديث: أنه يشرع للعالم مخالفة غيره من العلماء وإن كانوا أسن منه وأفضل إذا رأى الحق في خلاف قولهم
وفيه: فضل نبي الله سليمان عليه السلام
وفيه: ما يجب على القاضي من بذل الجهد في كشف الحق وإقامة العدل