باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن
بطاقات دعوية
حديث عبد الله بن عمر وعائشة عن مجاهد، قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر، جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى قال: فسألناه عن صلاتهم؛ فقال: بدعة ثم قال له: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربع إحداهن في رجب فكرهنا أن نرد عليه قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: يا أماه، يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن قالت: ما يقول قال: يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب، قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط
كان المسلمون في عهد الصحابة يختلفون أحيانا في بعض المسائل، لكنهم كانوا يتعاملون بآداب الخلاف التي علمهم إياها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم ما وكانوا لا يتعدون تبيين الحق وإظهاره ورد الخطأ
وفي هذا الحديث يروي التابعي مجاهد بن جبر أنه وقع خلاف بين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما في وقت إحدى عمرات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث دخل مجاهد وعروة بن الزبير مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالسا مستندا إلى حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ووجدا ناسا يصلون في المسجد صلاة الضحى، فسألاه عن هذه الصلاة التي يصليها الناس في المسجد، فأخبرهما أن صلاتهم الضحى على هذه الصفة من الاجتماع لها في المسجد بدعة مخالفة للسنة، لا أن صلاة الضحى نفسها بدعة، فأنكر ابن عمر ملازمتها، وإظهارها في المساجد، وصلاتها جماعة؛ لا أنها مخالفة للسنة؛ فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى وأمر بها وأصل البدعة اختراع ما لم يكن وابتداؤه، من أبدعت الشيء اخترعته لا عن مثال؛ فما كان من ذلك في الدين خلافا للسنة التي مضى عليها العمل ولم يكن له أصل في الكتاب والسنة؛ فتلك بدعة مذمومة لا خير فيها، وينهى عنها، فهو إحداث في الدين بعد الإكمال. وما كان من بدعة لا تخالف أصل الشريعة والسنة فتلك نعمت البدعة، وعلى هذا يحمل كلام عمر رضي الله عنه على صلاة التراويح
ثم سأله عروة عن عدد عمرات النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: «اعتمر أربعا، إحداهن في رجب»، فكرها أن يردا عليه بما عندهما من علم في ذلك، بل أحالا الرد على عائشة رضي الله عنها
ثم أخبر أنهما سمعا استنان عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الحجرة، أي: صوت مرور السواك على أسنانها، فنادى عروة خالته عائشة رضي الله عنها يسألها عن صحة ما يقوله ابن عمر رضي الله عنهما في عمرات النبي صلى الله عليه وسلم، وأن إحداها كانت في رجب، فأجابته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: يرحم الله أبا عبد الرحمن -ذكرته بكنيته تعظيما له، ودعت له إشارة إلى أنه نسي-، ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة إلا وهو حاضر معه في عمراته كلها، ثم نفت اعتمار رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب قط. وقد قالت أم المؤمنين ذلك؛ مبالغة في التأكيد على نسيان ابن عمر، ولم تنكر عليه سوى قوله: «إحداهن في رجب»، وفي رواية لمسلم عن عروة قال: «وابن عمر يسمع، فما قال: لا، ولا نعم، سكت»، وفي عدم رد ابن عمر رضي الله عنهما تقرير لصحة قول أم المؤمنين رضي الله عنها، وأنه قد وقع منه سهو ونسيان
وفي الحديث: أن الأعلم يصوب لغيره الخطأ وإن كان عالما
وفيه: أن الخير المتقن الفاضل قد ينسى بعض ما يسمع من السنن، أو يشهدها
وفي: بيان فقه عائشة رضي الله عنها، وعلمها بالسنن وأحوال النبي صلى الله عليه وسلم