باب تحريم الظلم 16
بطاقات دعوية
عن أَبي قتادة الحارث بن ربعي - رضي الله عنه - عن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ قَامَ فيهم، فَذَكَرَ لَهُمْ أنَّ الجِهَادَ في سبيلِ الله، وَالإِيمَانَ بالله أفْضَلُ الأعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أرَأيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سبيلِ الله، تُكَفَّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ في سبيلِ اللهِ، وَأنْتَ صَابرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيرُ مُدْبر». ثُمَّ قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أرَأيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سبيلِ الله، أتُكَفَّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «نَعمْ، وَأنْتَ صَابرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيرُ مُدْبِرٍ، إلَاّ الدَّيْنَ؛ فإنَّ جِبريلَ - عليه السلام - قَالَ لِي ذلِكَ (1)» رواه مسلم. (2)
من شنائع الأمور التي يغفل عنها كثير من الناس أنهم ربما يحسنون العبادات، إلا أنهم يقترفون معها الذنوب، والتي منها ما يتعلق بحقوق العباد، وسوف يحاسب كل إنسان يوم القيامة على ما عمل من خير أو شر
وفي هذا الحديث سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم: «أتدرون»، أي: أتعلمون «ما المفلس» وما حقيقته؟ وهذا الاستفهام للتقرير وإخراج الجواب من المخاطب؛ ليبني عليه الحكم المراد، ولما كان المقصود السؤال عن الوصف وليس عن الذات عبر بـ«ما» بدل «من»، فأجابوا: المفلس فيما بيننا وفيما نعرفه هو من لا يملك مالا، ولا متاعا، أي: مما يحصل به النقد وما يتمتع به من حوائج وأغراض الدنيا، مثل: الأقمشة والجواهر والمواشي والعبيد، وأمثال ذلك، والحاصل: أنهم أجابوا بما عندهم من العلم بحسب عرف أهل الدنيا، كما يدل عليه قولهم: «فينا»، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المفلس من أمتي»، أي: المفلس الحقيقي، أو المفلس في الآخرة، هو «من يأتي يوم القيامة بصيام وصلاة وزكاة» مقبولات قد أداها كما أمره الله، وذكر هذه العبادات ليس للحصر، بل هو تمثيل يشمل جميع الطاعات، ولكنه يأتي وقد شتم هذا، أي: وقع منه شتم وسب لأحد، وقذف هذا، وهو الاتهام بالزنا ونحوه، «وأكل مال هذا» بالباطل، «وسفك دم هذا» فأراق دمه بغير حق، «وضرب هذا» من غير استحقاق، أو زيادة على ما يستحقه، وذكر هذه السيئات ليس للحصر، بل هو تمثيل يشمل جميع المعاصي، والمقصود جميع حقوق العباد، والمعنى: من جمع بين تلك العبادات وهذه السيئات، فيعطى هذا المظلوم بعض حسنات الظالم، ويعطى المظلوم الآخر بعض حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يؤدي ما عليه من الحقوق، أخذ الظالم من سيئات أصحاب الحقوق، فطرحت على هذا الظالم ووضعت عليه، ثم ألقي ورمي في النار؛ كي يعذب بها بقدر استحقاقه إن لم يغفر له، وفيه إشعار بأنه لا عفو ولا شفاعة في حقوق العباد إلا أن يشاء الله، فيرضي المظلوم بما أراد، حتى إذا انتهت عقوبة تلك الخطايا رد إلى الجنة إن كانت هناك حسنات باقية، وإلا فببركة الإيمان وبما كتب له من الخلود
وفي الحديث: بيان معنى المفلس الحقيقي، وهو من أخذ غرماؤه أعماله الصالحة
وفيه: أن القصاص في الآخرة قد يأتي على جميع الحسنات، حتى لا يبقي منها شيئا