باب تسوية الصفوف

باب تسوية الصفوف

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي القاسم الجدلي، قال: سمعت النعمان بن بشير، يقول: «أقبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم، ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم، قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه.»

الإسلام دين النظام والهمة العالية، وهو يحرص على أن يكون المسلمون لحمة واحدة، يعاضد ويؤازر بعضهم بعضا، ويخشى عليهم مواطن النزاع والخلاف، وخير مواطن اجتماع المسلمين هو حضورهم للجماعات في المسجد

وفي هذا الحديث يخبر النعمان بن بشير رضي الله عنهما بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية الصفوف، حيث قال: «لتسون صفوفكم»، والمقصود بتسوية الصفوف: اعتدال القائمين بها في الصلاة على سمت واحد، ويراد بها أيضا سد الخلل الذي في الصف. «أو ليخالفن الله بين وجوهكم»، أي: إن لم تقيموا الصفوف ليخالفن الله بين وجوهكم؛ لأنه قابل بين الإقامة وبينه، فيكون الواقع أحد الأمرين، وهذا وعيد لمن لم يقم الصفوف بعذاب من جنس ذنبهم؛ لاختلافهم في مقامهم، والمراد بالمخالفة بين الوجوه: إيقاع العداوة والبغضاء واختلاف القلوب بينهم -كما في رواية أخرى للبخاري أيضا قال: «أو ليخالفن الله بين قلوبكم»-، يقال: تغير وجه فلان علي، أي: ظهر لي من وجهه كراهية وتغير؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في الظاهر، واختلاف الظاهر سبب لاختلاف الباطن، أو المراد: التفريق بين المقاصد والغايات، فيكون المعنى: ليفرقن الله بين مقاصدكم؛ فإن استواء القلوب يستدعي استواء الجوارح واعتدالها، فإذا اختلفت الصفوف دل على اختلاف القلوب، فلا تزال الصفوف تضطرب وتهمل حتى يبتلي الله باختلاف المقاصد. وقيل: معنى الوعيد بالمخالفة على حقيقته؛ فيكون المراد تشويه الوجه بتحويل خلقه عن وضعه بجعله موضع القفا، وهذا نظير الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار

ومن حكم تسوية الصف: ما في ذلك من حسن الهيئة وحسن الصلاة، وأن حصول الاستقامة والاعتدال مطلوب ظاهرا وباطنا

ومنها: لئلا يتخللهم الشيطان فيفسد صلاتهم بالوسوسة

ومنها: أن في تسوية الصفوف تمكنهم من صلاتهم مع كثرة جمعهم، فإذا تراصوا وسع جميعهم المسجد، وإذا لم يفعلوا ذلك ضاق عنهم