باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق

بطاقات دعوية

باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق

حديث أسماء بنت أبي بكر، قالت: تزوجني الزبير، وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء، غير ناضج وغير فرسه فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: إخ إخ ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أني استحييت، فمضى فجئت الزبير، فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب  فاستحييت منه، وعرفت غيرتك فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر، بعد ذلك، بخادم يكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني

الصحابة رضي الله عنهم هم الصفوة الذين اختارهم الله للنبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا معه في السراء والضراء، وتحملوا ذلك ابتغاء المثوبة من الله؛ فرضي الله عنهم أجمعين
وفي هذا الحديث تروي أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: أن الزبير بن العوام رضي الله عنه تزوجها، وكان الزبير حينئذ فقيرا «وما له في الأرض من مال» إبل أو أرض للزراعة، «ولا مملوك» عبد ولا أمة، «ولا شيء» من عطف العام على الخاص، يشمل كل ما يتملك، أو يتمول، لكن الظاهر أنها لم ترد إدخال ما لا بد له منه؛ من مسكن وملبس ومطعم، إلا أنه كان يملك ناضحا -وهو الجمل الذي يسقى عليه الماء- وفرسا.
قالت: «فكنت أعلف فرسه»، زاد مسلم: «وأكفيه مؤونته، وأسوسه، وأدق النوى لناضحه وأعلفه»، قالت: «وأستقي الماء» فأجلبه من منبعه إلى مكان الإقامة؛ حيث يشرب الجمل والحصان، «وأخرز غربه» والخرز هو خياطة بعض الجلود لصنع الغرب، وهو الدلو والإناء الكبير، وأعجن الدقيق لإعداد الخبز، ولكنها لم تكن تجيد إنضاج الخبز منفردة، فكان يخبز لها جارات من الأنصار، وأخبرت أنهن «كن نسوة صدق» بإضافتهن إلى الصدق؛ مبالغة في تلبسهن به في حسن العشرة والوفاء بالعهد، ثم أخبرت أنها كانت تنقل نوى التمر على رأسها، وكان ذلك من أرض الزبير التي أعطاها له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تبعد عن مكان سكنها 4 كيلومترات تقريبا؛ لأن الفرسخ 6 كيلومترات تقريبا
ثم أخبرت أنها قابلت النبي صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة من الأنصار، وهي في طريقها راجعة إلى بيتها تنقل النوى على رأسها، فنادها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «إخ إخ»، وهي كلمة تقال للجمل إذا أراد راكبه أن ينيخه. قالت أسماء: «ليحملني خلفه» على الجمل على عادة الناس في ذلك الوقت، «فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس»، أي: بالنسبة إلى علمها أو إلى أبناء جنسه، «فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى»، أي: ذهب في طريقه دون أن تركب، فلما أن جاءت للزبير، قصت عليه ما حدث، فقال: «والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه»، والمعنى: أن الزبير رضي الله عنه كان يشفق على زوجته مما تجده من المشقة والتبذل في خدمة فرسه وحملها للنوى على رأسها، فكأنه يقول: أغار عليك وأشفق من أن يراك أحد وأنت تحملين النوى على رأسك، كما أغار عليك من مزاحمة الرجال، ولكن ركوبك مع النبي صلى الله عليه وسلم أخف غيرة، وأهون من حمل النوى على رأسك من مكان بعيد؛ لأنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مأمون عليك وعلى غيرك
ومع ذلك كانت صابرة، والسبب الحامل على صبرها على ذلك انشغال زوجها وأبيها بالجهاد وغيره مما يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، ويقيمهم فيه، وكانوا لا يتفرغون للقيام بأمور البيت بأن يتعاطوا ذلك بأنفسهم، ولضيق ما بأيديهم على استخدام من يقوم بذلك عنهم، فانحصر الأمر في نسائهم، فكن يكفينهم مؤنة المنزل ومن فيه؛ ليتوفروا هم على ما هم فيه من نصر الإسلام
وظلت على هذه الحال من الشدة، حتى أرسل إليها والدها أبو بكر رضي الله عنه بعد ذلك خادما -وهي الجارية، وإنما ذكرت الخادم؛ لأنه يطلق على الذكر والأنثى- لتخدمها، ولتكفيها سياسة وخدمة الفرس من القيام بعلفه وما يحتاج إليه، قالت: «فكأنما أعتقني» أي: فكأنها كانت أمة مملوكة مقيدة الحرية وملزمة بخدمة هذا الفرس، ثم حررت وتخلصت من هذه الشدة!
وفي الحديث: بيان صبر الصحابة رضي الله عنهم على ضيق الحال وشدة العيش، وبيان مدى تضحيتهم رجالا ونساء من أجل نصرة دين الإسلام
وفيه: خدمة المرأة لزوجها والقيام بجميع ما يحتاجه، ورعاية بيتها بنفسها
وفيه: غيرة الرجل على أهله عند الابتذال فيما يشق من الخدمة وأنفة نفسه من ذلك
وفيه: دليل على مكارم أخلاق الصحابة الكرام؛ فإن أبا بكر رضي الله عنه علم ما كانت عليه ابنته من الضرر والمشقة، ولم يطالب صهره بشيء من ذلك، وكان مترقبا لإزالة ذلك، فلما تمكن منه أزاله من عنده
وفيه: منقبة لأسماء، وللزبير، ولأبي بكر، ولنساء الأنصار رضي الله عنهم