باب حديث الإفك 1

بطاقات دعوية

باب حديث الإفك 1
باب حديث الإفك 1
باب حديث الإفك 1
باب حديث الإفك 1
باب حديث الإفك 1

عن عائشة - رضي الله عنه - زوج النبى - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه، فأيهن خرج سهمها؛ خرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه، [وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تبتغى بذلك رضا رسول الله - صلى الله عليه وسلم 3/ 135] , قالت عائشة: فأقرع بيننا فى غزوة غزاها، فخرج فيها سهمى، فخرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما أنزل الحجاب، فكنت أحمل فى هودجى، وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته تلك، وقفل، [و6/ 5] دنونا من المدينة قافلين؛ آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأنى أقبلت إلى الرحل، فلمست صدرى، فإذا عقد لي من جزع (ظفار) (74) (وفي رواية: أظفار 3/ 154) قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدى , فحبسنى ابتغاؤه، قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونى، فاحتملوا هودجى، فرحلوه على بعيرى الذى كنت أركب عليه، وهم يحسبون أنى فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن (75) ولم يغشهن (وفى رواية: يثقلهن) اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل، فساروا، ووجدت عقدى بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم، وليس بها منهم داع ولا مجيب، فتيممت منزلى الذى كنت به، وظننت أنهم سيفقدونى فيرجعون إلى، فبينا أنا جالسة فى منزلى؛ غلبتنى عينى فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكوانى من وراء الجيش، فأصبح عند منزلى، فرأى سواد إنسان نائم، فعرفنى حين رآنى، وكان رآنى قبل الحجاب (*)، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفنى، فخمرت وجهى بجلبابى، والله ما تكلمنا بكلمة , ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها، فقمت إليها فركبتها، فانطلق يقود بى الراحلة، حتى أتينا الجيش [بعدما نزلوا 6/ 6] موغرين (76) (وفي رواية: معرسين) (77) فى نحر الظهيرة، وهم نزول قالت: فهلك من هلك، وكان الذى تولى كبر الإفك عبد الله بن أبى: ابن سلول.
قال: عروة أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده، فيقره ويستمعه ويستوشيه.
وقال عروة أيضا: لم يسم من أهل الإفك أيضا إلا حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش فى ناس آخرين لا علم لي بهم؛ غير أنهم عصبة كما قال: الله تعالى، وإن كبر (78) ذلك يقال: عبد الله بن أبى ابن سلول.
قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان، وتقول: إنه الذي قال:
فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
قالت عائشة: فقدمنا المدينة، فاشتكيت (79) حين قدمت شهرا، والناس يفيضون فى قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشىء من ذلك، وهو يريبنى فى وجعى أنى لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذى كنت أرى منه حين أشتكى (وفي رواية: أمرض) , إنما يدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف، فذلك [الذى] يريبنى، ولا أشعر بالشر، حتى خرجت حين نقهت، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع، وكان متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا. قالت: وأمرنا أمر العرب الأول فى البرية [أو فى التبرز] (وفي رواية: التنزه) قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، قالت: فانطلقت أنا وأم مسطح -وهى ابنة أبى رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبى بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب- فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتى، حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح فى مرطها، فقالت: تعس (80) مسطح. فقلت: لها: بئس ما قلت؛ أتسبين رجلا شهد بدرا؟! (601 - وفي رواية معلقة: أى أم تسبين ابنك؟! وسكتت، ثم عثرت الثانية، فقالت: تعس مسطح. فقلت: لها: أتسبين ابنك؟! ثم عثرت الثالثة، فقالت: تعس مسطح. فانتهرتها 6/ 11)، فقالت: أى هنتاه (81)! ولم تسمعى ما قال؟ قالت: قلت: ما قال؟ فأخبرتنى بقول أهل الإفك (وفى المعلقة: فقالت: والله ما أسبه إلا فيك! فقلت: فى أى شأنى؟ قالت: فنقرت (82) لي الحديث، فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله. فرجعت إلى بيتى كأن الذى خرجت له لا أجد منه قليلا ولا كثيرا)، قالت: فازددت مرضا على مرضى، فلما رجعت إلى بيتى؛ دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم، ثم قال: كيف تيكم؟ فقلت له: أتأذن لي أن آتى أبوى؟ قالت: و [أنا حينئذ] أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، قالت: فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [فجئت أبوي] , فقلت لأمى: يا أمتاه! ماذا يتحدث الناس؟! (وفى المعلقة: فأرسل معى الغلام، فدخلت الدار، فوجدت أم رومان فى السفل، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمى: ما جاء بك يا بنية؟ فأخبرتها، وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ منى) قالت: يا بنية! هونى عليك (وفى رواية: على نفسك الشأن)، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة (83) عند رجل يحبها [و] لها ضرائر إلا كثرن عليها (وفى المعلقة: إلا حسدنها، وقيل فيها، وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ منى)، قالت: فقلت: سبحان الله! أولقد تحدث الناس بهذا؟! قالت: [قلت: وقد علم به أبى؟ قالت: نعم. قلت: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: نعم؛ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستعبرت، وبكيت، فسمع أبو بكر صوتى وهو فوق البيت يقرأ، فنزل، فقال لأمى: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذى ذكر من شأنها، ففاضت عيناه؛ قال: أقسمت عليك أى بنية! إلا رجعت إلى بيتك، فرجعت]، فبكيت (وفى رواية: فبت) تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكى.
قالت: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بن أبى طالب وأسامة بن زيد -حين استلبث الوحى- يسألهما؟ ويستشيرهما فى فراق أهله، قالت: فأما أسامة؛ فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذى يعلم من براءة أهله، وبالذى يعلم لهم فى نفسه [من الود]، فقال أسامة: أهلك، ولا نعلم إلا خيرا. وأما على فقال: يا رسول الله! لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك. قالت فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة، فقال: أى بريرة! هل رأيت من شىء يريبك؟ قالت له بريرة: والذى بعثك بالحق؛ ما رأيت عليها أمرا (وفي المعلقة: عيبا) قط أغمصه (84)؛ غير أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتى الداجن (85) فتأكله، [وانتهرها بعض أصحابه، فقال: اصدقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أسقطوا لها به (86)، فقالت: سبحان الله! والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر].
قالت: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يومه، فاستعذر (87) من عبد الله بن أبى وهو على المنبر, فقال:
«يا معشر المسلمين! من يعذرنى من رجل قد بلغنى عنه أذاه فى أهلى؟ والله ما علمت على أهلى إلا خيرا (وفى رواية: ما تشيرون علي في قوم يسبون أهلى؟ 8/ 163]، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما يدخل على أهلى إلا معى».
(وفي رواية معلقة: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى خطيبا، فتشهد فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
«أما بعد؛ أشيروا على فى أناس أبنوا (88) أهلى، وايم الله ما علمت على أهلى من سوء [قط]، وأبنوهم بمن؟ والله ما علمت عليه من سوء قط، ولا يدخل بيتى قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت فى سفر إلا غاب معى»)، فقام سعد بن معاذ [الأنصارى] أخو بنى عبد الأشهل , فقال: أنا [والله] يا رسول الله! أعذرك [منه]، فإن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام رجل من الخزرج -وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه، وهو سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، قالت: وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية -فقال لسعد: كذبت لعمر الله؛ لا تقتله، ولا تقدر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل، فقام أسيد بن حضير -وهو ابن عم سعد- فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله؛ [والله] لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. قالت: فثار (وفى رواية: فتثاور) الحيان: الأوس، والخزرج؛ حتى هموا أن يقتتلوا [فى المسجد , وما علمت]، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر، [فنزل]، قالت: فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا، وسكت. قالت: فبكيت يومى ذلك كله، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم.
قالت: وأصبح أبواى عندى، وقد بكيت ليلتين ويوما, لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، حتى إنى لأظن (وفى رواية: يظنان) أن البكاء فالق كبدى، قالت: فبينا أبواى جالسان عندى، وأنا أبكى؛ فاستأذنت على امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكى معى، قالت: فبينا نحن على ذلك؛ دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا [وقد صلى العصر] , [وقد اكتنفنى أبواى عن يميني وعن شمالى] , فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندى منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه فى شأنى بشىء، قالت: فتشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم (وفى المعلقة: فحمد الله وأثنى عليه) حين جلس، ثم قال:
«أما بعد؛ يا عائشة! إنه [قد] بلغنى عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة؛ فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب؛ فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف [بذنبه]، ثم تاب؛ تاب الله عليه".
قالت: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته؛ قلص دمعى (89) حتى ما أحس منه قطرة، [فقلت: ألا تستحى من هذه المرأة أن تذكر شيئا؟ فوعظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالتفت] , فقلت لأبى: أجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنى فيما قال, فقال أبى: والله ما أدرى ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت لأمى: أجيبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال, قالت أمي: والله ما أدرى ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [قالت:] [فلما لم يجيباه؛ تشهدت، فحمدت الله تعالى، وأثنيت عليه بما هو أهله] , فقلت -وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ من القرآن كثيرا-: [أما بعد؛ فـ] إنى والله لقد علمت لقد (وفي رواية: علمت أنكم) سمعتم هذا الحديث حتى استقر فى أنفسكم، وصدقتم به, فلئن قلت لكم: إنى بريئة -[والله يعلم أنى بريئة]- لا تصدقونى، ولئن اعترفت لكم بأمر -والله يعلم أنى منه بريئة- لتصدقنى (وفى المعلقة: لتقولن: قد باءت به على نفسها) , فوالله لا أجد لي ولكم مثلا -[والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه]- إلا أبا يوسف حين قال: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} ثم تحولت (90)، واضطجعت على فراشي، والله يعلم أنى حينئذ بريئة، وأن الله مبرئى ببراءتى، ولكن والله ما كنت أظن أن الله تعالى منزل فى شأنى وحيا يتلى، [و] لشأنى فى نفسى كان أحقر من أن يتكلم الله فى بأمر [يتلى]، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى النوم رؤيا يبرئنى الله بها, فوالله ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أنزل عليه [من ساعته، فسكتنا]، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء (91)، حتى إنه ليتحدر منه العرق مثل الجمان، وهو فى يوم شات؛ من ثقل القول الذى أنزل عليه، قالت: فسرى (92) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك، [وهو يمسح جبينه] , فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال:
" [أبشرى] يا عائشة! أما (وفى رواية: احمدى) الله فقد برأك", قالت: [وكنت أشد ما كنت غضبا]، فقالت لي أمى: قومى إليه. فقلت: لا والله لا أقوم إليه، [ولا أحمد، ولا أحمدكما] , فإنى لا أحمد إلا الله عز وجل [الذى أنزل براءتى، لقد سمعتموه فما أنكرتموه، ولا غيرتموه] , قالت: وأنزل الله تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} العشر الآيات [كلها 8/ 214].
ثم (وفي رواية: فلما) أنزل الله هذا فى براءتى؛ قال: أبو بكر الصديق -وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره-: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذى قال لعائشة ما قال. فأنزل الله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم} [إلى آخر الآية؛ يعنى: أبا بكر {والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين} يعنى: مسطحا] إلى قوله: {[ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله] غفور رحيم} , قال أبو بكر الصديق: بلى والله؛ إنى لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التى كان ينفق عليه، وقال والله لا أنزعها عنه أبدا.
قالت عائشة: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل زينب بنت جحش عن أمرى، فقال: لزينب: «ماذا علمت أو رأيت؟». فقالت: يا رسول الله! أحمى سمعى وبصرى؛ والله ما علمت إلا خيرا. قالت عائشة: وهى التى كانت تسامينى (93) من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعصمها الله بالورع , [فلم تقل إلا خيرا] , قالت: وطفقت أختها حمنة تحارب لها (94)، فهلكت فيمن هلك [من أصحاب الإفك] , [وكان الذى يتكلم فيه مسطح، وحسان بن ثابت، والمنافق عبد الله بن أبى، وهو الذى كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذى تولى كبره منهم، هو وحمنة].
قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: سبحان الله! فوالذي نفسي بيده؛ ما كشفت من كنف أنثى (*) قط. قالت: ثم قتل بعد ذلك [شهيدا] في سبيل الله.




كانت أمُّ المؤمنينَ سَوْدَةُ بنتُ زَمْعةَ زَوجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن العابِداتِ الزَّاهِداتِ، وكان زَوجاتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَعرِفنَ الفضْلَ لبعضِهنَّ البعضَ، ويَعرِفْنَ ما تَتميَّزُ به كلُّ واحدةٍ منهنَّ عن الأُخرياتِ.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ عائشةُ رَضِي اللهُ عنها أنَّها ما تَمنَّت وما أحبَّتْ أنْ تَكونَ مِثلَ امرأةٍ مِن زَوجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أو تكونَ مَكانَها، إلَّا سَوْدةَ بنتِ زَمْعةَ؛ فإنَّها تمَنَّت وأحبَّتْ أنْ تُصبِحَ مِثلَها في العِبادةِ والطَّاعةِ، وفي مِثلِ هَدْيِها وطَريقِها، والمِسْلاخُ: الجِلْدُ، ومعناه: أنْ أكونَ أنا هي في الأوصافِ الَّتي استَحْسَنْتُ منها، وقولُها: «مِنِ امْرأةٍ فِيها حِدَّةٌ» هوَ وَصْفٌ مِن عائِشةَ لِسَوْدةَ لا لِعَيْبِها، وهِيَ تُريدُ بذلكَ إظْهارَ قُوَّةِ نَفسِها وشِدَّتِها في المواقِفِ، فلمَّا كَبِرَتْ سَوْدةُ في السِّنِّ، جَعَلَتْ يَومَها مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِعائشةَ، وهذا ما فعَلَتْه سَودةُ رَضِي اللهُ عنها مِن رَجاحةِ عَقْلِها؛ فقدْ جَعلَتْ يَومَها لأَكثَرِ النِّساءِ حُبًّا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فكانَ لِعائِشةَ رَضِي اللهُ عنها معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَومانِ: يومُها، ويومُ سَوْدةَ، ولَيسَ المُرادُ هُنا تَوالي اليَومَينِ، ولكِنَّهُ بَيانٌ لِعَددِ أيَّامِ عائِشةَ عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في كلِّ نَوْبَةٍ مِنْ نَوْباتِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم معَ نِسائِه رِضوانُ اللهِ عليهنَّ.
وفي الحَديثِ: الغِبطةُ في الخَيرِ وتَمنِّي الإنسانِ أنْ يكونَ مِثلَ غَيرِه في الصِّفاتِ الحميدةِ.
وفيه: بَيانُ حُبِّ نِساءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم له، وسَعيِهنَّ في مَرضاتِه، وإرشادُ الزَّوجةِ إلى تَرضيةِ زَوجِها بما يُحِبُّ.