باب: خيار الأمة تعتق وزوجها مملوك 2
سنن النسائي
أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا المغيرة بن سلمة، قال: حدثنا وهيب، عن عبيد الله بن عمر، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: «كان زوج بريرة عبدا»
كانت بَرِيرةُ رَضِيَ اللهُ عنها أَمةً مملوكةً، اشتَرَتْها أمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها وأعتقَتْها، وكان زَوجُها من العبيدِ، فلمَّا أُعتِقَت خُيِّرت بين أن تَظَلَّ على زواجِها منه أو تفارِقَه، فاختارت الفِراقَ
وفي هذا الحَديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ زَوجَ بَرِيرةَ كانَ عَبْدًا يُقالُ له: مُغيثٌ، ويَصِفُ حالَه بعد فراقِها له كَأنَّه يَنْظُرُ إلَيهِ يَطوفُ خَلْفَها ويتتَبَّعُها في الطُّرُقاتِ، يَبكي، وَدُموعُه تَسيلُ عَلى لِحيَتِهِ، يَتَرَضَّاها لِتَختارَهُ وترجِعَ له
فَقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِعَمِّهِ العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عنه: «يا عَبَّاسُ، ألَا تَعْجَبُ مِن حُبِّ مُغيثٍ بَرِيرةَ، وَمِن بُغضِ بَرِيرةَ مُغيثًا!»، أي: ألا تتعَجَّبُ من كثرةِ محبَّتِه إيَّاها، وكثرةِ كُرهِها له، وَعَدَمِ رَغْبَتِها فيهِ؛ وذلك لِأنَّ الغالِبَ أنَّ المُحِبَّ لا يَكونُ إلَّا حَبيبًا
فكلَّمها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أن ترجِعَ إليه وتظَلَّ زوجَتَه، قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، أتَأمُرُني بذلك؟ قال: لا، إنَّما أنا أَشْفَعُ فيهِ، يعني: أتوسَّطُ وأطلُبُ منكِ استِحبابًا، لا عَلى سَبيلِ الحَتْمِ، فَلا يَجِبُ عَلَيكِ. فأخبَرَت أنَّها لا تريدُه ولا ترغَبُ فيه
وفي الحَديثِ: الشَّفاعةُ مِن الحاكِمِ عِندَ الخَصْمِ في خَصْمِه إذا ظَهَرَ حَقُّه، وإشارَتُه عليه بِالصُّلحِ أو التَّرْكِ
وفيه: أنَّ مَن يَسألُ مِن الأُمورِ ممَّا هوَ غيرُ واجِبٍ عليه فِعلُه، فَلَهُ رَدُّ سائِلِه، وَتَرْكُ قَضاءِ حاجَتِه، وإنْ كانَ الشَّفيعُ سُلطانًا أو عالِمًا أو شَريفًا