باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - اجعلها سنين كسني يوسف
بطاقات دعوية
ومن طريقٍ معلقةٍ عن ابن عمر: ربما ذكَرتُ قولَ الشاعرِ، وأَنا أَنظرُ إلى وَجهِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَستَسقي، فما يَنزلُ حتى يَجيشَ كلُّ مِيزابٍ: وَأبيَضَ يُستسقَى الْغمامُ بوَجههِ ... ثِمالُ اليَتامى عِصمةٌ للأرامِلِ
وهو قوْلُ أَبي طالبٍ.
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسنَ الناسِ خُلقًا وأجمَلَهم خِلْقةً، سَوَّاهُ ربُّه في أحْسنِ صُورةٍ،
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه لَمَّا رأى وجْهَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَستَسقي، يعني: يَدْعو ويُصلِّي للهِ تعالَى مِن أجْلِ نُزولِ المطَرِ، فيَستجيبُ له ربُّه سُبحانَه، فيَنزِلُ المطرُ، فَيَجيشُ كُلُّ مِيزابٍ، يعني: يَنزِلُ بكَثرةٍ وغَزارةٍ، والمِيزابُ: هو ما يَسيلُ منه الماءُ مِن مَوضِعٍ عالٍ، فكأنَّ المطَرَ يَنهمِرُ بِقوَّةٍ مِنَ السَّماءِ، فلمَّا رأى ابنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما ذلك ذَكَرَ قَولَ أبي طالبٍ في النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
«وأَبْيَضَ يُستَسقَى الغَمامُ بوَجْهِه * ثِمالُ الْيتامى عِصمةٌ لِلأراملِ»
يعني: يَتَوسَّلُ الناسُ بدُعائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حالَ حَياتِه، ويَطلُبون منه أنْ يَستسقِيَ لهم، وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُطْعِمُ اليَتامَى والقائمُ بِأمرِهم ومُعتمَدُهم ومَلجؤُهم، وهو حافظُ الأراملِ ومانعُهنَّ ممَّا يَضُرُّ، والأراملُ جمْعُ أرملةٍ، وهي مَن مات عنها زوجُها. وكأنَّ أبا طالِبٍ قد أشارَ في هذا الشِّعرِ إلى ما وقَعَ في زمنِ عبدِ المطَّلبِ حيثُ استَسقَى لقُريشٍ والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معَه غُلامٌ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ مدَحَه بذلك لِمَا رأَى مِن أَماراتِ ذلك فيه وإنْ لم يُشاهِدْ وُقوعَه.
وفي الحديثِ: ما كان عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن حُسْنِ الخَلْقِ والخُلقِ، ومُساعدةِ النَّاسِ.
وفيه: بيانُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يكُنْ ينزِلُ مِن الاستسقاءِ حتى يجيشَ كلُّ مِيزابٍ.
وفيه: أنَّ الشِّعرَ في مَدْحِ الإسلامِ والرَّسولِ ممدوحٌ لا مذمومٌ.