باب ذكر البعث6
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، حدثني عبيد الله بن المغيرة، عن سليمان بن عمرو بن عبد العتواري أحد بني ليث- قال: وكان في حجر أبي سعيد- قال:
سمعته - يعني أبا سعيد - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يوضع الصراط بين ظهراني جهنم على حسك كحسك السعدان، ثم يستجيز الناس، فناج مسلم، ومخدوج به، ثم ناج، ومحتبس به، ومنكوس فيها" (2)
الإيمانُ باليومِ الآخِرِ وما به مِن أحداثٍ وأهوالٍ جُزْءٌ مِن أركانِ الإيمانِ، ومِن ذلك الصِّراطُ وما يكون من المرورِ عليه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضِيَ اللهُ عنه: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: "يُوضَعُ الصِّراطُ بين ظَهْرانَيْ جهنَّمَ"، أي: يُمَدُّ كالجِسْرِ على نارِ جهنَّمَ، والصِّراطُ جِسْرٌ يفصِلُ بينَ النَّاسِ وبينَ الجنَّةِ يومَ الحَشرِ، وفي روايةِ مُسلِمٍ: "أنَّ الجِسْرَ أدَقُّ مِن الشَّعرةِ، وأحَدُّ مِن السَّيفِ"، ولكنَّ اللهَ سُبحانَه يُجْزِي النَّاسَ عليه بحسَبِ أعْمالِهم، فيراه المُؤمِنُ رَحبًا واسعًا، "على حَسَكٍ" جمعُ حسَكَةٍ: نباتٌ تُعلَّقُ ثَمرتُه بصُوفِ الغنَمِ، ورَقُه كورَقِ الرِّجْلةِ وأدَقُّ، وعندَ وَرَقِه شَوكٌ صُلْبٌ له ثلاثُ شُعَبٍ، "كَحَسَكِ السَّعْدَانِ"، أي: يُشْبِهُ شَوْكَ السَّعْدانِ، وهو نَبْتٌ ذو شَوكٍ، وهو مِن جيِّدِ مراعي الإبلِ تَسْمَنُ عليه، "ثمَّ يَسْتجيزُ النَّاسُ"، أي: يَعْبُرونَ على الصِّراطِ، فيكونونَ على أنحاءٍ، وفي البُخاريِّ مِن حديثِ أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فتخطَفُ النَّاسَ بأعْمالِهم"، أي: إنَّ النَّاسَ على الصِّراطِ يُخْطَفونَ ويَعْبُرونَ بحسَبِ أعمالِهم، "فَناجٍ مُسَلَّمٌ"، أي: مَحفوظٌ، لا يُصيبُه منها أذًى، وهذا الَّذي كمَلَتْ أعمالُه، "ومَخدوجٌ به، ثمَّ ناجٍ"، والمَخدوجُ هو الَّذي قُشِّرَ جِلْدُه بالشَّوكِ، ثمَّ يَنْجو، "ومُحْتبَسٌ به"، أي: تمنَعُه مِن المُرورِ، "ومَنكوسٌ فيها"، أي: تُلْقِيه على رأْسِه في النَّارِ.
وفي الحديثِ: إثباتُ وُجودِ الصِّراطِ والعرْضِ عليه يَومَ القِيامةِ.
وفيه: وصْفٌ لبعضِ أهوالِ يَومِ القِيامةِ؛ ليكونَ المُسلِمُ على بَصيرةٍ مِن أمْرِه، ويَفعلَ ما يُنجِّيه من هذه الأهوالِ.