باب ذكر الحوض2
سنن ابن ماجه
حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، عن أبي مالك سعد بن طارق، عن ربعي
عن حذيفة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن حوضي لأبعد من أيلة من عدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده، إني لأذود عنه الرجال كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه" قيل يا رسول الله، وتعرفنا؟ قال: "نعم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء، ليست لأحد غيركم" (1)
تَفضَّلَ اللهُ سبحانه على نبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وأعطاه ما لم يُعْطِه لأحدٍ مِن الأنبياءِ قبْلَه، ومِن ذلك حَوْضُ الكوثَرِ، أو نهرُ الكوثَرِ في الآخِرةِ.
وفي هذا الحديثِ يَروي أبو هريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: إنَّ حوضي أبعدُ مِن أيلةَ"، أي: بُعدُ ما بين طَرَفَيْ حوضِي أزيَدُ مِن بُعْدِ أيلةَ، وهي بلدةٌ على الساحلِ مِن آخِرِ بِلادِ الشامِ ممَّا يلي البَحرَ الأحمرَ "من عدنٍ" وهو آخِرُ بِلادِ اليمنِ ممَّا يَلي بحرَ الهندِ.
وفي روايةٍ أنَّه ما بينَ "عدنٍ وعَمَّانَ"، وعَمَّانُ: اسمُ بلدٍ بالشامِ، وفي رواية أخرى: "وما بينَ صنعاءَ والمدينةِ" كما رواه الإمام مسلمٌ، ويُجمَعُ بين هذِه الأخبارِ: بأنَّ ذلك الإخبارَ هو على طَريقِ التَّقريبِ لا على سَبيلِ التَّحديدِ، والتفاوتِ بين اختِلافِ أحوالِ السَّامعينَ في الإحاطةِ به عِلمًا.
ثم أقسمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "والذي نفْسي بيدِه ولآنيتُه" جمع إناءٍ، أي: أوعيتُه مِن أكوابٍ وكِيزانٍ وغيرها "أكثرُ مِن عددِ النجومِ" في الكثرةِ والوفرةِ "ولهو أشدُّ بياضًا مِن اللبنِ" لصفائه وجمالِ مائِه "وأحلى" وألذُّ في الطعمِ "مِنَ العسلِ" " والذي نفسي بيدِه إني لَأذودُ عنه الرجالَ، كما يَذودُ الرَّجلُ الإبلَ الغريبةَ عن حوضِه"، أي: أدفعُ وأمنعُ النَّاسَ مِن المنافقين والمرتدِّين عن الحوضِ كما يَصُدُّ ويُبعِدُ الرجلُ الراعي إبلَ غيرِه مِن النَّاس الأجانبِ عن حوضِه، وهذا صِيانةً للحوضِ عن مُشاركتِهم فيه "قيل: يا رسولَ اللهِ أتعرفُنا؟"، أي: قال بعضُ الصَّحابةِ: هل تميُّزُنا مِن غيرنا يومئذٍ؟" قال:" تَرِدُونَ" وتأتون "عليَّ غُرًّا محجَّلِينَ، مِن أثرِ الوضوءِ" والمعنى: أنَّ لكم علامةً أعرفكم يها حين تَمرُّون عليَّ فتأتونَ غُرّا لكم بياضٌ ونورٌ في جباهِكم "محجَّلِين" جمع محجَّلٍ، وهو الَّذي في يديه ورجليه بياضٌ "من أثرِ الوضوءِ" ومائه، ومِن أثَرِ السُّجودِ كما قال الله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29]، ليستْ تلك العلامةُ لأحد مِن الأُممِ غيرِكم؛ إذ المقصود التَّمييزُ بمنزلةِ العلمِ، والمراد بالعلامةِ: الغُرَّةُ مع التَّحجيلِ؛ فهما مِن خصائِصِ هذه الأُمَّةِ.
وفي الحديثِ: بيانُ مَكانةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عند ربِّه.