باب ذكر الخوارج وصفاتهم

بطاقات دعوية

باب ذكر الخوارج وصفاتهم

حديث جابر بن عبد الله، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة بالجعرانة، إذ قال له رجل: اعدل فقال له: شقيت إن لم أعدل

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج بعده خوارج يقاتلون أهل الإسلام، وذكر صفاتهم وعلاماتهم، وقد وقع ذلك في عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وفي هذا الحديث يحكي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنهم بينما هم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما، وقد بينت رواية الصحيحين أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعث من اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة؛ وهي القطعة من الذهب، وكانت مما أخذه علي رضي الله عنه من زكوات أهل اليمن، فقسمها صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي المجاشعي، وعيينة بن بدر الفزاري، وزيد الطائي، وعلقمة بن علاثة العامري، وهم رؤساء في أقوامهم، وقد كانوا حديثي عهد بكفر، فتألفهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المال؛ ليثبتوا على الإسلام، فيثبت قومهم معهم، فلما خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العطاء، غضب بعض الناس، وفي هذا الوقت أتاه ذو الخويصرة، واسمه حرقوص بن زهير، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله، اعدل في القسمة، وهذا قول يدل على قلة فقه هذا الرجل، فغضب صلى الله عليه وسلم، وقال للرجل: «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟!» والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى الناس بالعدل، وأقدرهم على ذلك، وأكثرهم عدلا؛ لأنه رسول الله، ولذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل»، وفي رواية في الصحيحين: «من يطع الله إذا عصيت؟!»، وهذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم يحمل معنى التعجب والإنكار لقول الرجل، «فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، ائذن لي فيه، فأضرب عنقه»؛ لأنه ظهر نفاقه، فمنعه صلى الله عليه وسلم من قتله تأليفا لغيره،  وأمره أن يتركه، وأخبر أن له أصحابا يحقر -أي: يستقل- أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، جمع ترقوة، وهي العظم ما بين ثغرة النحر والعاتق، وفي رواية في الصحيحين: «إن من ضئضئ -أي: من نسل- هذا أو في عقب هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم»، يريد أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها؛ لعلمه باعتقادهم، أو أنهم لا يعملون بها، فلا يثابون عليها، أو ليس لهم فيه حظ إلا مروره على لسانهم، فلا يصل إلى حلوقهم، فضلا عن أن يصل إلى قلوبهم؛ لأن المطلوب تعقله وتدبره؛ لوقوعه في القلب. «يمرقون»، أي: يخرجون سريعا من دين الإسلام من غير حظ ينالهم منه، كما يمرق السهم من الرمية، فشبه مروقهم وخروجهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد، فيدخل فيه ويخرج من الناحية الأخرى، ولشدة سرعة خروجه لا يعلق بالسهم من جسد الصيد شيء، ثم ينظر إلى «نصله»، وهي حديدة السهم، فلا يوجد في النصل شيء من دم الصيد ولا غيره، ثم ينظر إلى «رصافه»، وهو عقب يلوى فوق مدخل النصل أو السهم، فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى «نضيه»، وهو عود السهم قبل أن يراش وينصل، أو هو ما بين الريش والنصل، وسمي بذلك؛ لأنه بري حتى عاد نضوا، أي: هزيلا، فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى «قذذه»، جمع قذة؛ الريش الذي على السهم، فلا يوجد فيه شيء، قد سبق السهم «الفرث»، وهو ما يجتمع في الكرش، «والدم» فلم يظهر أثرهما فيه، بل خرجا بعده، وكذلك هؤلاء لم يتعلقوا بشيء من الإسلام، وهذا نعت الخوارج الذين لا يدينون للأئمة، ويخرجون عليهم
«وآيتهم»، أي: علامتهم التي يعرفون بها إذا ظهروا، أو عند أول ظهور لهم: أنه يكون فيهم رجل أسود إحدى «عضديه» -وهو ما بين المرفق إلى الكتف- مثل ثدي المرأة، أو قال: مثل البضعة، وهي القطعة من اللحم. «تدردر»، أي: تتحرك وتذهب وتجيء، وأصل الدرد: حكاية صوت الماء في بطن الوادي إذا تدافع، ويخرجون على حين فرقة، أي: في زمان افتراق من الناس، وهو زمان علي بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم.
قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتل خوارج عصره، وكانوا بهذه الصفة، وأنا معه بالنهروان سنة (38هـ)، وهي منطقة بالقرب من بغداد في العراق، فأمر علي رضي الله عنه أن يبحث المقاتلون عن ذلك الرجل الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «إحدى عضديه مثل ثدي المرأة»، فطلب في القتلى، فوجدوه، فأتوا به. ورآه أبو سعيد رضي الله عنه على الصفة التي وصفه بها النبي صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: أن قراءة القرآن مع اختلال العقيدة غير زاكية، ولا حامية صاحبها من سخط الله عز وجل
وفيه: علامة من علامات النبوة
وفيه: بيان أن من صفة وعادة المنافقين التشكيك في أحوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، ومخالفة هديه في كل عصر، مع التلبيس على الناس في توجيه الأفعال والأحوال