باب ذكر طلحة بن عبيد الله 1
بطاقات دعوية
عن أبي عثمان قال: لم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير طلحة وسعد. عن حديثهما (40).
حُقوقُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على العِبادِ عَظيمةٌ، ومِنَّةُ اللهِ تعالَى بإرْسالِه هذا الرَّسولَ الكَريمَ جَليلةٌ، وقد بيَّنَ لنا رَبُّنا ذلك، فقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 8-9]، وقال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عِمرانَ: 164]، وغيرَ ذلك منَ الآياتِ، وهذه المِنَّةُ الَّتي امتَنَّ اللهُ بها على عِبادِه أكبَرُ النِّعَمِ، بل أصْلُها، وهي الامْتِنانُ عليهم بهذا الرَّسولِ الكَريمِ الَّذي أنقَذَهمُ اللهُ به مِن الضَّلالةِ، وعَصَمَهم به مِن الهَلَكةِ، فأدرَكَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم عَظيمَ حَقِّ هذا الرَّسولِ الكَريمِ عليهم، ففَدَوْه بأمْوالِهم وأنْفُسِهم، ومِن ذلك ما جاءَ في هذا الحَديثِ أنَّ التَّابِعيَّ أبا عُثْمانَ النَّهْديَّ أخبَرَ عن طَلْحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ وسَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّهما حَدَّثَاه ببَقائِهما معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ أنْ فَرَّ النَّاسُ عنه يَومَ أحُدٍ، الَّتي وقَعَت في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهِجْرةِ، بيْنَ مُشْركي مكَّةَ والمُسلِمينَ، وانهَزَمَ فيها المُسلِمونَ بسَبَبِ مُخالَفةِ الرُّماةِ لأوامِرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَراجَعَ المُسلِمونَ، وانكشَفَ مَوقِعُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يَثبُتْ معَه وحَولَه إلَّا القَليلُ مِن المُهاجِرينَ والأنْصارِ، منهم طَلْحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ وسَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ، وقد كان طَلْحةُ رَضيَ اللهُ عنه مِن أهلِ النَّجْدةِ والشَّجاعةِ، وثَباتِ القَدَمِ في الحَربِ، وقد شَلَّتْ يَدُه بسبَبِ أنَّه وقَى بها رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ وذلك أنَّه لمَّا ولَّى المُسلِمونَ يَومَ أحُدٍ، تَحيَّزَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الجَبلِ، فلَفَّ طَلْحةُ فصَحِبَه، وكان معَهما اثْنَا عشَرَ رَجلًا مِن الأنْصارِ، فلَحِقَهمُ المُشرِكونَ، فاسْتأذَنَ طَلْحةُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في قِتالِهم، فلمْ يَأذَنْ له، واسْتأذَنَه أنْصاريٌّ، فأذِنَ له، فقاتَلَ عنه حتَّى قُتِلَ، وما زالوا على هذه الحالِ، حتَّى قُتِلَ الاثْنا عشَرَ، ولَحِقَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالجَبَلِ ومعَه طَلْحةُ، فاتَّقى عنه بيَدِه.
وكان سَعدٌ رَضيَ اللهُ عنه يَومَ أحُدٍ ممَّن أبْلى بَلاءً حسَنًا، وكان يَرْمي المُشرِكينَ بالنِّبالِ، وكان بجانِبِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى ذكَرَ أنَّه رَأى رَجلَينِ -يَعني مَلَكَينِ- أحدُهما عن يَمينِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والآخَرُ عن يَسارِه يُقاتِلانِ قِتالًا شَديدًا.
وفي الحَديثِ: أنَّ للرَّجلِ أنْ يُحدِّثَ بأعْمالِه في البِرِّ والواجِباتِ الَّتي فيها إظْهارُ الإسْلامِ وإعْلاءُ كَلمَتِه؛ ليَتأسَّى بذلك المُتَأسِّي، ولا يَدخُلُ ذلك في بابِ الرِّياءِ.
وفيه: مَنقَبةٌ لطَلْحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ وسَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنهما؛ ببَقائِهما، ودِفاعِهما عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: بَيانُ عَظيمِ شَجاعتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ إذ لم يكُنْ مِن خُلُقِه الفِرارُ مِن وَجهِ العَدوِّ وأرْضِ المَعرَكةِ.