باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم
بطاقات دعوية
حديث أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة، يثرب ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين، يوم أحد ثم هززته بأخرى، فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها بقرا، والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله، من الخير، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر
كان الله سبحانه وتعالى يثبت قلب نبيه صلى الله عليه وسلم بالوحي وبالرؤى الصادقة التي يراها في منامه، وقد أراه الله سبحانه الأرض التي سيهاجر إليها، وبين له صفتها، وأعلمه بإشارات إلى ما سيقع له ولأصحابه في أرض الهجرة، ووقعت هذه الأحداث بمرور الزمن
وفي هذا الحديث يحكي النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في المنام أنه يهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب ظنه إلى أنها اليمامة، وهي منطقة في نجد،. «أو هجر»، وهي بلد في شرق الجزيرة العربية، ولكن بعد مرور الزمن أمره الله سبحانه أن يهاجر إلى المدينة، فإذا ما رآه في منامه هي المدينة يثرب
ورأى أيضا أنه هز سيفا، فانقطع صدره، وقد تأول صلى الله عليه وسلم السيف هنا بالقوم الذين كانوا معه، الناصرين له، وفسر كسره بما أصيب من المؤمنين يوم أحد في السنة الثالثة من الهجرة، وإنما تأول انقطاع صدر السيف بقتل من قتل يوم أحد؛ لأنهم كانوا معظم صدر عسكره؛ إذ كان فيهم: عمه حمزة، وغيره من أشراف المهاجرين والأنصار، فاقتبس صدر القوم من صدر السيف، وهزه للسيف: هو حمله إياهم على الجهاد وحثهم عليه؛ ولذلك قال: «ثم هززته بأخرى فعاد أحسن ما كان»، فإذا هو ما جاء الله به من فتح مكة، واجتماع المؤمنين، وإصلاح حالهم. وقيل: يعني به -والله أعلم- ما صنع الله لهم بعد أحد؛ وذلك أنهم لم ينكلوا عن الجهاد، لكن جددوا نياتهم، وقووا إيمانهم وعزماتهم، فخرجوا على ما بهم من الضعف والجراح فغزوا غزوة حمراء الأسد مستظهرين على عدوهم بالقوة والجلد، ثم فتح الله تعالى عليهم ونصرهم في غزوة بني النضير، ثم في غزوة ذات الرقاع، ثم لم يزل الله تعالى يجمع المؤمنين، ويكثرهم
ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أنه رأى في هذه الرؤيا بقرا، فأول الرؤيا، فإذا البقر هم المؤمنون الذين قتلوا يوم أحد، وهؤلاء المؤمنون الذين عبر عنهم بالبقر غير المؤمنين الذين عبر عنهم بصدر السيف، فكان أولئك صدر الكتيبة، وهؤلاء مقاتلتها، والكل من خير الشهداء وأفضل الفضلاء
وفي حديث جابر بن عبد الله عند أحمد: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا منحرة، فأولت الدرع الحصينة المدينة، وأن البقر نفر»، ثم قرر بقوله: «والله خير» أن الله سبحانه خير لهؤلاء البقر؛ لأن ثواب الله خير للنفر المقتولين بالشهادة، ولمن أصيب منهم بأجر المصيبة
وقوله: «وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله»، أي: أعطانا الله عز وجل بعد يوم بدر، أي: من فتح خيبر، ثم مكة، وغيرهما من الفتوحات
قيل: إن يوم بدر في هذا الحديث هو يوم بدر الثاني، وكان من أمرها: أن قريشا لما أصابت في أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما أصابت، وأخذوا في الرجوع؛ نادى أبو سفيان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: موعدكم يوم بدر في العام المقبل، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم، فلما كان العام المقبل -وهي السنة الرابعة من الهجرة- خرج في شعبان إلى بدر الثانية، فوصل إلى بدر، وأقام هناك ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى بلغ عسفان، ثم إنهم غلبهم الخوف، فرجعوا واعتذروا بأن العام عام جدب، وكان عذرا محتاجا إلى عذر، فأخزى الله المشركين، ونصر المؤمنين، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل منصورا، وبما يفتح الله عليه مسرورا، إلى أن أظهر الله تعالى دينه على الأديان، وأخمد كلمة الكفر والطغيان
وفي الحديث: علامة من علامات النبوة
وفيه: بيان فضل الرؤيا، وشدة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها
وفيه: ما يدل على أن الرؤيا قد تقع موافقة لظاهرها من غير تأويل، وأن الرؤيا قبل وقوعها لا يقطع الإنسان بتأويلها، وإنما هو ظن وحدس؛ إلا فيما كان منها وحيا للأنبياء
وفيه: بيان ما ابتلى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في أول الأمر بالمشركين، ثم كانت لهم العاقبة المحمودة، ولله سبحانه وتعالى الحمد والمنة