باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم
بطاقات دعوية
حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: " هل رأى أحد منكم من رؤيا " قال: فيقص عليه من شاء الله أن يقص وإنه قال، ذات غداة: إنه أتاني، الليلة، آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر ههنا، فيتبع الحجر، فياخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى
قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان
قال: قالا لي: انطلق
قال: فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه، بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه
ختمت النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولم يبق من آثارها إلا البشريات التي يبشر الله تعالى بها المؤمن في الرؤيا، فيبشره الله بخير، أو يحذره من شر، وكلما كان المرء أكثر إيمانا وتقوى كانت رؤياه أكثر صدقا وتحققا
وفي هذا الحديث يحكي سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى صلاة أقبل على الناس بوجهه الكريم، وسأل: من رأى منكم الليلة رؤيا؟ فإن رأى أحد رؤيا قصها عليه، فيقول فيها ما شاء الله من التفسيرات والتأويلات، ثم إنه صلى الله عليه وسلم سأل الناس يوما: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ فنفوا ذلك، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه هو الذي رأى رؤيا هذه الليلة، ورؤيا الأنبياء حق وصدق، ووحي من الله عز وجل
فرأى صلى الله عليه وسلم في منامه ملكين، أتياه فأخذا بيده يقودانه حتى أوصلوه إلى الأرض المقدسة، وفي رواية للبخاري: «أرض مقدسة»، وعند أحمد: «إلى أرض فضاء، أو أرض مستوية»، فوجد رجلا جالسا ورجلا واقفا أمامه، وبيده كلوب من حديد -وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق عليها اللحم- يدخله في شدقه، أي: جانب فم الرجل الجالس، حتى يبلغ قفاه، أي: يقطعه شقا، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ما فعل بشدقه الأول، ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله فسأل صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ فقال الملكان: انطلق، ولم يجيباه عن سؤاله أولا، فانطلقوا به حتى جاؤوا على رجل مضطجع ومستلق على قفاه، وهناك رجل قائم وواقف على رأسه وفي يد الواقف حجر ملء الكف، أو صخرة، فيشدخ به رأس الجالس ويشقها، فإذا ضربه «تدهده الحجر»، أي: تدحرج الحجر بعيدا، فيذهب الرجل إلى الحجر، فيأخذه فيصنع به كما صنع، ويكرر الضرب مرات أخرى، فلا يرجع إلى هذا الذي شدخ رأسه حتى يصح رأسه ويعود رأسه كما هو، فيعود إليه فيضربه، فسأل صلى الله عليه وسلم عنه، فلم يجبه الملكان، ثم انطلقوا وذهبا به إلى ثقب مثل «التنور»، وهو الفرن وما يخبز فيه، وكان أعلاه ضيقا، وأسفله واسعا، يتوقد تحته نارا، وكان فيه أناس عراة، فإذا اقترب منهم لهب النار ارتفعوا إلى أعلى التنور حتى كاد أن يخرجوا، فإذا سكن لهيبها ولم يطفأ حرها رجعوا فيها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، فلم يجبه الملكان
ثم ذهبا به حتى جاؤوا على نهر من دم وفيه رجل يسبح، ويوجد رجل آخر واقف على وسط حافة النهر، وأمامه وبين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فلما أراد أن يخرج منه رمى الرجل الذي بين يديه الحجارة بحجر في فمه فرده حيث كان من النهر، فجعل كلما جاء ليخرج من النهر رمى في فيه بحجر، فيرجع كما كان فيه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنهما، فلم يجبه الملكان، وإنما ذهبا به حتى جاؤوا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها وعند جذرها يجلس شيخ وحوله صبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة أمامه وبين يديه نار يوقدها، فصعد الملكان بالنبي صلى الله عليه وسلم في الشجرة التي هي في الروضة الخضراء، وأدخلاه دارا جميلة لم ير قط أحسن منها، وكان فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وصبيان، ثم أخرجه الملكان من الدار، فصعدا به الشجرة فأدخلاه دارا هي أحسن وأفضل من الأولى، فيها أيضا شيوخ وشباب
وبعد ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للملكين: طوفتماني الليلة ودرتم بي فرأيت كل تلك المشاهد، فأخبراني عما رأيت، فقالا: نعم سنخبرك؛ أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما رأيت من العذاب؛ لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد.
وأما الذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، فأعرض عن تلاوته ولم يعمل فيه بالنهار، فيفعل به ما رأيت من العذاب. وأما الذي رأيتهم في الثقب فهم الزناة، والذي رأيته في النهر يسبح في الدم فو آكل الربا، والشيخ الكائن والجالس في أصل الشجرة عند جذرها هو إبراهيم الخليل عليه السلام، وأما الصبيان حوله فأولاد الناس، وفي رواية عند البخاري: «وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة»، والمراد أولاد المسلمين والمشركين الذين لم يبلغوا سن التكليف، والمرجح في أطفال المشركين أنهم يمتحنون يوم القيامة؛ فإن آمنوا دخلوا الجنة، وإن كفروا دخلوا النار؛ للنصوص الدالة على ذلك
والذي يوقد النار: هو مالك خازن النار، والدار الأولى التي دخلتها هي دار عامة المؤمنين، وأما الدار الأخرى التي هي أعلى وأجمل من الأولى فدار الشهداء، وأنا جبريل وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فإذا موجود فوقه مثل السحاب، فأخبراه أن هذا المكان العالي هو منزله في الجنة، فقال: اتركاني أدخل منزلي، فقالا له: إنه بقي لك عمر في الدنيا لم تستكمله، فلو استكملت عمرك أتيت منزلك فدخلته وتنعمت بما فيه
وفي الحديث: بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على ربه عز وجل
وفيه: الاهتمام بأمر الرؤيا، والسؤال عنها، وذكرها بعد الصلاة
وفيه: مشروعية إقبال الإمام بعد سلامه على أصحابه
وفيه: إباحة الكلام في العلم داخل المسجد
وفيه: مشروعية استدبار القبلة عند الجلوس للعلم أو غيره
وفيه: التحذير من الكذب والرواية بغير الحق
وفيه: التحذير من ترك قراءة القرآن والعمل به
وفيه: التغليظ على الزناة، وبيان شدة عقابهم