باب رد السلام بالإشارة في الصلاة 4
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة ثم أدركته وهو يصلي، فسلمت عليه فأشار إلي، فلما فرغ دعاني فقال: «إنك سلمت علي آنفا وأنا أصلي»، وإنما هو موجه يومئذ إلى المشرق
في هذا الحديثِ بيانُ لبعضِ هَدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّم في الصَّلاةِ، وفيه يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما: "بعَثني النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، وفي روايةٍ: "بعَثني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في حاجةٍ له، فانطلَقْتُ، ثمَّ رجَعْتُ وقد قضَيْتُها"، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قد بعَثه في حاجةٍ إلى بني المُصطَلِقِ، وهم قومُ جُوَيْرِيَةَ بنتِ الحارثِ زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال جابرٌ: "فأتَيْتُه وهو يَسيرُ"، وفي روايةٍ: "على بعيرِه"، "مُشرِّقًا أو مُغرِّبًا"، أي: كان مُتوجِّهًا براحلتِه نحوَ المشرِقِ أو المغرِبِ، إشارةً إلى أنَّ اتِّجاهَه كان في غيرِ اتِّجاهِ القِبلةِ، "فسلَّمْتُ عليه"، أي: ليُعْلِمَه بحُضورِه، وأنَّه قد قضَى له حاجتَه، "فأشار"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "بيدِه"، أي: لم يرُدَّ عليه السَّلامَ بلِسانِه واكتفَى له بالإشارةِ بيدِه، قال جابرٌ: "ثمَّ سلَّمْتُ عليه فأشارَ بيدِه؛ فانصرَفْتُ"، أي: ابتعَدْتُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وهذا مِن حُسنِ أدبِ جابرٍ رضِيَ اللهُ عنه حيثُ ابتعَد عن الإصرارِ على سَلامِه حتَّى يرُدَّ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، واكتفَى بصَمْتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عنه وإشارتِه له، وفي روايةٍ قال جابرٌ: "فوقَع في قَلْبي ما اللهُ أعلَمُ به"؛ خوفًا مِن أنْ يكونَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يردَّ عليه السلام لشَيءٍ خَطأٍ فَعلَه جابرٌ، قال جابرٌ: "فناداني، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا جابرُ، فناداني النَّاسُ: يا جابرُ"، أي: يُسمِعونَه نداءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عليه، "فأتَيْتُه، فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي سلَّمْتُ عليكَ فلم ترُدَّ علَيَّ"؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنِّي كُنْتُ أُصلِّي"، أي: لم يمنَعْني أن أُكلِّمَك وأرُدَّ عليكَ إلَّا الصَّلاةُ، وهذا مِن حُسْنِ خُلُقِه وأدَبِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ حتَّى لا يَدخُلَ في قلبِ جابرٍ شيءٌ من عَدَمِ ردِّه عليه، وهذه الصَّلاةُ كانتْ نافلةً؛ ففي حَديثِ جابرٍ رضِيَ اللهُ عنه عند البخاريِّ: "فكان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُصلِّي على راحلتِه حيثُ توجَّهتْ، فإذا أرادَ الفريضةَ نزَلَ، فاستقبَلَ القِبلةَ"
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ صَلاةِ النافلةِ على الدابَّةِ إلى أيِّ جِهةٍ تَوجَّه