باب رفع درجات العبد بالجهاد
بطاقات دعوية
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يا أبا سعيد من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا وجبت له الجنة فعجب (1) لها أبو سعيد فقال أعدها علي يا رسول الله ففعل ثم قال وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض قال وما هي يا رسول الله قال الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله. (م 6/ 37
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يدُلُّ النَّاسَ على ما فيه صَلاحُ ورِفعةُ شَأنِهم في الدُّنيا والآخرةِ، فكان يَحُثُّ على مُجاهَدةِ أعداءِ الدِّينِ، وعلى مُجاهَدةِ النَّفسِ والشَّيطانِ، والإعراضِ عن استيفاءِ اللَّذَّاتِ العاجلةِ؛ حتَّى يكونَ للإنسانِ نَصيبٌ وافرٌ مِن دَرَجاتِ الآخرةِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: «مَن رَضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ نبيًّا»، أي: مَن اعتَقَد بقَلبِه وأقَرَّ بلِسانِه بكَونِ اللهِ سُبحانه ربًّا ومالكًا مع الرِّضَا بِرُبوبِيَّتِه سُبحانه، وأُلُوهِيَّتِه، والرِّضَا بدِينِه والتَّسلِيم له، واعتَقَد بقَلبِه وأقَرَّ بلِسانِه بأنَّ دِينَ الإسلامِ هو الدِّينُ الحقُّ، مع الرِّضَا برَسولِه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والانقِيادِ له، وماتَ على ذلك؛ «وَجَبَتْ له الجنَّةُ»، أي: ثَبَتَتْ وتَحقَّقَتْ له هذه البُشرى؛ فلا بُدَّ له مِن دُخولِ الجنَّةِ قطْعًا، وإنْ دخَلَ النَّارَ لاستيفاءِ ذُنوبٍ عليه لم يَخلُدْ فيها، فعَجِبَ أبو سَعِيدٍ رَضيَ اللهُ عنه لأجلِ هذه الكلماتِ؛ لِما فيها مِن عِظَمِ فَضلِ اللهِ على عِبادِه الموحِّدين، فطَلَبَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُعِيدَها عليه مرَّةً أُخرى، ولعلَّه أرادَ أنْ يَحفَظَها ويَستبشِرَ بها، فأعادَها عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدما أعادَها له: «وأُخرَى»، أي: وكَلِمَةٌ، أو فائِدَةٌ، أو خَصلةٌ أُخرَى مِمَّا يُتَعَجَّبُ لها، فيَتعيَّنُ أن يُرغَبَ فيها، وأجْرُها أنْ يَرْفَعَ اللهُ بها العبدَ مِائَةَ درجةٍ في الجنَّةِ، والدَّرجةُ المنزلةُ الرَّفيعةُ، ويُرادُ بها غُرَفُ الجنَّةِ ومَراتبُها الَّتي أعْلاها الفِردوسُ، «ما بيْنَ كلِّ درجتَيْنِ كما بينَ السَّماءِ والأرضِ»، وهذا يدُلُّ على أنَّ أنواعَ النِّعمِ على المتَّصفِ بهذه الخَصلةِ وثَوابَه يَتفاضَلُ تَفاضلًا كثيرًا، فسَأل أبو سَعِيدٍ رَضيَ اللهُ عنه عن تلكَ الخَصْلةِ الأُخرَى، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «الجِهادُ في سَبِيلِ الله، الجِهادُ في سَبِيلِ الله» مرَّتَيْنِ، وفي هذا الأسلوبِ تَفخيمُ أمرِ الجهادِ، وتَعظيمُ شَأنِه، والمرادُ بالجهادِ هنا هو الَّذي يكونُ بالنَّفْسِ، فهو أعظَمُ أنواعِ الجهادِ.
وفي الحديثِ: فضلُ الجِهادِ في سبيلِ الله عزَّ وجلَّ.
وفيه: ما أَعدَّه الله من ثوابٍ وأجرٍ للمجاهِدين في سبيلِه.
وفيه: أنَّ مَن مات على التوحيدِ دخَل الجنَّةَ قطعًا.