باب شراء الدواب والحمير، وإذا اشترى دابة أو جملا وهو عليه هل يكون ذلك قبضا قبل أن ينزل؟
بطاقات دعوية
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة [327 - بطريق تبوك 3/ 174]، [فكنت على جمل ثفال (39) 3/ 63]، فأبطأ بي جملي وأعيا، [إنما هو في آخر القوم]، فأتى علي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "جابر! ". فقلت: نعم. قال: "ما شأنك؟ ". قلت: أبطأ علي جملي وأعيا، فتخلفت، [قال: فتخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 4/ 10]، فنزل يحجنه (40) بمحجنه، (وفي رواية: قال: "أمعك قضيب؟ ". قلت: نعم. قال: "أعطنيه". فأعطيته)، [فزجره]، ثم قال:
" [يا جابر! 3/ 218] اركب" (وفي طريق: استمسك)، فركبت، [فوكزه (وفي طريق: فنخسه 6/ 120) من خلفه 3/ 87]، [فضربه [بسوطه ضربة، فوثب البعير مكانه]، فدعا له، فسار بسير ليس يسير مثله، (وفي طريق: فانطلق كأجود ما أنت راء من الإبل)]، [فما زال بين يدي الإبل، قدامها يسير]، فلقد رأيته أكفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [فقال لي: "كيف ترى بعيرك؟ ". قال: قلت: بخير، قد أصابته بركتك]، [فلما دنونا من المدينة، أخذت أرتحل]، [فاستأذنته]، [فقال: "ما يعجلك؟ (وفي طريق: أين تريد؟) ". قلت: كنت حديث عهد بعرس6/ 120]، قال: "تزوجت؟ ". قلت: نعم. قال: "بكرا أم ثيبا؟ ". قلت: بل ثيبا، (وفي طريق: تزوجت امرأة قد خلا منها) (41). قال:
"أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك، أوتضاحكها وتضاحكك؟ 7/ 163]، (وفي طريق: فقال: ما لك وللعذارى ولعابها؟) (42) ". قلت: إن [أبي توفي وترك] لي [تسع بنات كن لي تسع 5/ 32] أخوات، [صغارا، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء (43) مثلهن]، فأحببت أن أتزوج امرأة [قد جربت، خلا منها]، تجمعهن، وتمشطهن، وتقوم عليهن، (وفي طريق: تعلمهن وتؤدبهن)، [قال: "أصبت]، [فبارك الله عليك] "، [فأذن لي]، قال:
"أما إنك قادم؛ فإذا قدمت فالكيس الكيس (44) [يا جابر! " يعني: الولد 6/ 161].
[قال: فلما ذهبنا لندخل؛ قال:
"أمهلوا، حتى تدخلوا ليلا- أي: عشاء-؛ لكي تمتشط الشعثة (45) 6/ 120]، قال: "تزوجت؟ ". قلت: نعم. قال: "بكرا أم ثيبا؟ ". قلت: بل ثيبا، (وفي طريق: تزوجت امرأة قد خلا منها) (41). قال:
"أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك، أوتضاحكها وتضاحكك؟ 7/ 163]، (وفي طريق: فقال: ما لك وللعذارى ولعابها؟) (42) ". قلت: إن [أبي توفي وترك] لي [تسع بنات كن لي تسع 5/ 32] أخوات، [صغارا، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء (43) مثلهن]، فأحببت أن أتزوج امرأة [قد جربت، خلا منها]، تجمعهن، وتمشطهن، وتقوم عليهن، (وفي طريق: تعلمهن وتؤدبهن)، [قال: "أصبت]، [فبارك الله عليك] "، [فأذن لي]، قال:
"أما إنك قادم؛ فإذا قدمت فالكيس الكيس (44) [يا جابر! " يعني: الولد 6/ 161].
[قال: فلما ذهبنا لندخل؛ قال:
"أمهلوا، حتى تدخلوا ليلا- أي: عشاء-؛ لكي تمتشط الشعثة (45) من أصحابه)، قال: "آلآن قدمت؟ ". قلت: نعم. قال: "فدع جملك، فادخل، فصل ركعتين"، فدخلت، فصليت، (وفي طريق: فدخلت إليه، وعقلت الجمل في ناحية البلاط (48)، فقلت له: هذا جملك، فخرج، فجعل يطيف بالجمل، ويقول: "الجمل جملنا")، فأمر بلالا أن يزن له أوقية، فوزن لي بلال، فأرجح في الميزان، (وفي رواية: قال: يا بلال! اقضه، وزده، فأعطاه أربعة دنانير، وزاده قيراطا. وفي طريق: فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أواق من ذهب، فقال: "أعطوها جابرا")، فانطلقت حتى وليت، فقال: "ادع لي جابرا"، قلت: الآن يرد علي الجمل، ولم يكن شيء أبغض إلي منه! قال: " [ما كنت لآخذ جملك]، [فهومالك]، [ثم قال:
استوفيت الثمن؟ ". قلت: نعم. قال:] "خذ جملك، ولك ثمنه"، أفأعطاني ثمن الجمل، والجمل، وسهمي مع القوم]، [قال جابر: لا تفارقني زيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر بن عبد الله]، [فما زال منها شيء حتى أصابها أهل الشام يوم الحرة 3/ 139].
[قال المغيرة: هذا في قضائنا حسن (49)، لا نرى به بأسا].
[(صرار): موضع ناحية بالمدينة (50)].
[قال أبو عبد الله:
وقول الشعبي: "بوقية" أكثر. الاشتراط أكثر وأصح عندي "بأربعة دنانير": وهذا يكون وقية على حساب الدينار بعشرة دراهم]
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُراعي أصحابَه في كُلِّ أحوالِهم؛ مِنَ اليُسرِ والعُسرِ، والفَرَحِ والحُزنِ، فيُواسي الحَزينَ، ويُعطي المُحتاجَ، ويُشارِكُ صاحِبَ الفَرَحِ في فَرَحِه، ويَنصَحُ كُلَّ إنسانٍ بما يُناسِبُ حالَه.
وفي هذا الحَديثِ يَروي جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه غَزا مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قيلَ: كان ذلك في فَتحِ مَكَّةَ، وأنَّهم كانوا راجِعينَ منها إلى المَدينةِ، فلَحِقَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأدرَكَه وهو راكِبٌ عَلى ناضِحٍ، وهو الجَمَلُ الذي يُحمَلُ عليه الماءُ ويُنقَلُ مِن مَكانٍ لِآخَرَ؛ لِلشُّربِ أو سَقْيِ الزَّرعِ. وكان هذا الجَمَلُ الذي يَركَبُ عليه جابِرٌ قَد عَيِيَ، أي: أصابَه الإعياءُ والتَّعَبُ وعَجَزَ عنِ المَشْيِ، فلا يَكادُ يَسيرُ، فسَأَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ماذا أصابَ بَعيرَكَ؟ فأجابَه بأنَّه جَمَلٌ قدْ ضَعُفَ، فتَأخَّرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى كانَ خَلْفَ الجَمَلِ، فزَجَرَه، أي: ضَرَبَه بعَصًا أو سَوطٍ، ودَعا له بالقُوَّةِ والبَرَكةِ، فكانَ ذلك سَبَبًا في أنْ يُسرِعَ الجَمَلُ ويَشتَدَّ في السَّيرِ، فما زالَ الجَمَلُ مُتقَدِّمًا ومُسرِعًا بيْنَ يَدَيِ الإبِلِ يَسيرُ أمامَها، وَعْدَ وقْتٍ مِنَ السَّيرِ لَقيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جابِرًا رَضيَ اللهُ عنه، فسَأَلَه: كيف تَرَى بَعيرَكَ في مَشيِه وإسراعِه؟ فأجابَه جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه بأنَّ الجَمَلَ بخَيرٍ، قدْ أصابَتْه بَرَكتُكَ.
ثمَّ سَأَلَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَبيعَ جَمَلَه له، فاسْتَحْيا جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه منه، ولم يَكُنْ له جمَلٌ غَيرُه، فأجابَه: نَعَمْ. فباعَه إيَّاه على أنَّ له «فَقارَ ظَهرِه»، أي: الرُّكوبَ عليه إلى أنْ يَبلُغَ المَدينةَ.
ثمَّ أخبَرَ جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه عَروسٌ قَريبُ عَهدٍ بالدُّخولِ على زَوجَتِه، وفي هذا بَيانٌ لِفَضلِ جابِرٍ، حيثُ خَرَجَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِلجِهادِ وهو عَرُوسٌ. واستأذَنَه في أنْ يَسبِقَهم إلى المَدينةِ، فأذِنَ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا أتى المَدينةَ لَقيَه خالُه، واسمُه ثَعلَبةُ بنُ غَنَمةَ، فسَألَه عنِ البَعيرِ، فأخبَرَه بما صَنَعَ فيه، وأنَّه باعَه لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلامَه على بَيعِه مِن جِهةِ أنَّه لَيسَ له ناضِحٌ غَيرُه، وقد كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَأَلَه حِينَ استأذَنَه في التَّقَدُّمِ إلى المَدينةِ: هَلْ تَزَوَّجتَ بِكْرًا أمْ تَزَوَّجتَ ثَيِّبًا؟ والبِكْرُ هي التي لم يَسبِقْ لها الزَّواجُ، والثَّيِّبُ: هي التي سَبَقَ لها الزَّواجُ. فأجابَه جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه: تَزَوَّجتُ ثَيِّبًا، وكانَ اسمُها سُهَيلةَ بِنتَ مُعَوِّذٍ الأوْسيَّةَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هَلَّا تَزَوَّجتَ بِكْرًا تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ؟ وذلك لِأنَّ الثَّيِّبَ قد تَكونُ مُتَعلِّقةَ القَلبِ بزَوجِها الأوَّلِ، بخِلافِ الصَّغيرةِ التي لم يَسْبِقْ لها الزَّواجُ؛ فإنَّ قَلبَها في الأغلَبِ يَتعَلَّقُ بأوَّلِ زَوجٍ لها، فتَنشَطُ له وتَسعى في سَعادَتِه، وغَيرِ ذلك مِنَ المُواصَفاتِ التي تُعرَفُ بها البِكْرُ، وتَتقَدَّمُ بها على الثَّيِّبِ، فبَيَّنَ جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ والِدَه قدِ استُشهِدَ، وكان ذلك في غَزوةِ أُحُدٍ، وتَرَكَ له أخَواتٍ صِغارًا، قال: فَكَرِهتُ أن أتَزَوَّجَ بِكْرًا صَغيرةً مِثلَهنَّ، فلا تُؤَدِّبَهُنَّ ولا تَقومَ عليهِنَّ، فتَزَوَّجتُ ثَيِّبًا؛ لِتَقومَ عليهِنَّ وتُؤَدِّبَهُنَّ.
فلمَّا قَدِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدينةَ، ذَهَبَ إليه جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه بالجَمَلِ في أوَّلِ النَّهارِ، فأعطاهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَمَنَ الجَمَلِ، وأعطاهُ الجَمَلَ هِبةً منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأعطاهُ نَصيبَه وسَهْمَه مِنَ الغَنيمةِ مع القَومِ، كما في رِوايةٍ في البُخاريِّ. وهذا مِن جَميلِ جُودِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكَرَمِه وسَخائِه مع أصحابِه رِضوانُ اللهِ عليهم.
وفي الحَديثِ: بَيانٌ لِجانِبٍ مِن تواضُعِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحُسْنِ عِشرَتِه لِأصحابِه، وتَفقُّدِه لِأحوالِهم، ورِعايَتِه لِمَصالِحِهم.
وفيه: فَضيلةٌ لِجابِرٍ رَضيَ اللهُ عنه، وشَفَقَتُه على أخَواتِه، وإيثارُه مَصلَحَتَهُنَّ على حَظِّ نَفْسِه.
وفيه: خِدمةُ المَرأةِ لِأهلِ زَوجِها، ورِعايَتُها لِأخَواتِه.