باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم

بطاقات دعوية

باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم

حديث أبي هريرة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله، جعل الفراش  وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه، فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وهم يقتحمون فيها

ضرب الله تعالى الأمثال للناس لعلهم يعقلون ويتفهمون ما أنزل إليهم، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من ربه، فضرب الأمثال لأمته تقريبا للمعاني وتوضيحا للمقصود
وفي هذا الحديث يضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لشدة حرصه على هداية الناس، وشفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم بهم، وشدة عناد الناس واتباعهم لشهواتهم التي فيها هلاكهم؛ فيبين صلى الله عليه وسلم أن مثله ومثل الناس كمثل رجل أوقد نارا، فلما أضاءت هذه النار ما حولها، جعل الفراش -واحدتها: فراشة- وما يتهافت في النار من الحشرات الطيارات، تطلب هذا الضوء ولا تعلم أنه نار مهلكة، فجعلن يقعن فيها، وهذا الرجل الذي أوقد النار بقصد الإضاءة يحاول أن يمنعهن من الدخول في النار، ولكنه لا يستطيع، فيغلبنه، فيدخلن في النار!
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن شأنه في دعوة الناس إلى الإسلام، كحال المنقذ لهم من النار مع إقبالهم على ما تزين لهم أنفسهم من التمادي في الباطل والوقوع في المعاصي المؤدية إلى النار، وهو صلى الله عليه وسلم يأخذ بحجز الناس ليبعدهم عن المعاصي التي هي سبب للولوج في النار، والحجز جمع حجزة، وهي معقد الإزار والسراويل. وهذا كناية عن الاجتهاد في المنع، وبرغم ذلك فالناس يغلبونه ويدخلون فيها بشدة ومزاحمة، كالفراش ودواب الأرض التي تتهافت على النار
شبه النبي صلى الله عليه وسلم إظهار حدود الله ببياناته الشافية الكافية من الكتاب والسنة، باستنقاذ الرجال من النار، وشبه فشو ذلك في مشارق الأرض ومغاربها بإضاءة تلك النار ما حول المستوقد، وشبه الناس وعدم مبالاتهم بذلك البيان والكشف، وتعديهم حدود الله، وحرصهم على استيفاء تلك اللذات والشهوات، ومنعه صلى الله عليه وسلم إياهم عن ذلك بأخذ حجزهم بالفراش التي تقتحمن في النار، ويغلبن المستوقد على دفعهن عن الاقتحام، وكما أن المستوقد كان غرضه من فعله انتفاع الخلق به من الاستضاءة والاستدفاء وغير ذلك، والفراش لجهلها جعلته سببا لهلاكها، فكذلك كان القصد بتلك البيانات اهتداء الأمة، واجتنابها ما هو سبب هلاكهم، وهم مع ذلك لجهلهم جعلوها مقتضية لترديهم
وفي الحديث: ضرب المثل الذي يبرز خفيات المعاني، ويرفع الأستار عن الحقائق
وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى المعاصي نارا؛ لأنها تؤدي إليها