باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب
بطاقات دعوية
حديث عائشة وأم سلمة عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام، أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان أن عائشة وأم سلمة أخبرتاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم
فقال مروان لعبد الرحمن بن الحرث: أقسم بالله لتقر عن بها أبا هريرة، ومروان يومئذ على المدينة؛ فقال أبو بكر: فكره ذلك عبد الرحمن ثم قدر لنا أن نجتمع بذي الحليفة، وكانت لأبي هريرة هنالك أرض، فقال عبد الرحمن لأبي هريرة إني ذاكر لك أمرا، ولولا مروان أقسم علي فيه لم أذكره لك فذكر قول عائشة وأم سلمة؛ فقال: كذلك حدثني الفضل ابن عباس، وهو أعلم
كان المسلمون في عهد الصحابة يختلفون أحيانا في بعض المسائل، لكنهم كانوا يتعاملون بآداب الخلاف التي علمهم إياها النبي صلى الله عليه وسلم
وفي هذا الحديث يروي التابعي عبد الرحمن بن الحارث أنه أخبر مروان بن الحكم أن أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنهما أخبرتاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانا ربما يدخل وقت الفجر وهو ما زال جنبا بعد أن جامع أهله، فيغتسل ويباشر الصوم، وذلك إذا لم يأكل أو يشرب بعد الفجر شيئا، وهذا بيان لمشروعية صيام الجنب قبل الاغتسال، والجنابة تطلق على كل من أنزل المني أو جامع؛ لاجتنابه الصلاة والعبادات حتى يطهر منها
فلما سمع مروان بن الحكم ذلك -وكان حينئذ واليا على المدينة النبوية- أقسم على عبد الرحمن أن يخبر هذا الحديث لأبي هريرة رضي الله عنه؛ فقد كان رضي الله عنه يفتي بأن من أصبح جنبا لا يصح صومه، ولأن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهن هن أعرف الناس بمثل هذه الأمور. وقوله: «لتقرعن بها أبا هريرة»، أي: لتفجأنه بذكر الحديث له، أو من التقريع، وهو التوبيخ، وإقسام مروان على عبد الرحمن؛ يريد بذلك استقصاء حكم هذه القصة ليعلم ما عنده؛ لأنه ربما كان عنده نص يحتمل أن يكون ناسخا، أو منسوخا، أو يوجب تخصيصا أو تأويلا
فكره عبد الرحمن بن الحارث أن يفعل ما قال له مروان بن الحكم، ثم بعد ذلك قابل أبا هريرة رضي الله عنه بذي الحليفة -ميقات أهل المدينة لمن أراد الإحرام بحج أو عمرة، وهي المعروفة بآبار علي، وهو موضع معروف في أول طريق المدينة إلى مكة، بينه وبين المدينة نحو ستة أميال (13 كيلو مترا تقريبا)، وبينه وبين مكة نحو مئتي ميل تقريبا (408 كيلو مترا تقريبا)، وهو أبعد المواقيت من مكة- وكانت لأبي هريرة رضي الله عنه أرض هناك، فقال له عبد الرحمن بن الحارث: إني سأقول لك شيئا، ولولا أن مروان أقسم علي فيه لم أذكره لك، ثم ذكر عبد الرحمن له قول أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنهما، فأخبره أبو هريرة رضي الله عنه: أن الفضل بن عباس رضي الله عنهما قد حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أصبح جنبا من جماع لا يصح صومه، لكن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أعلم بذلك. وفي رواية مسلم: «فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك؟ قال: نعم، قال: هما أعلم». فهما أعلم بذلك من الفضل، وحديثهما يرجح على غيرهما؛ لأنهما ترويان ذلك عن مشاهدة، بخلاف غيرهما
وفي الحديث: قبول الحق والرجوع إليه متى ما صح بالحجة والبرهان
وفيه: مشروعية دخول العلماء على الأمراء والمذاكرة معهم وطاعتهم لهم في المعروف
وفيه: أن الشيء إذا تنوزع فيه وجب رده إلى من يظن أن علمه عنده