باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم السلام

بطاقات دعوية

باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم السلام

 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثله قط فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى - عليه السلام - قائم يصلي فإذا رجل ضرب (5) جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم يعني نفسه فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام

كانت رِحلَةُ الإسراءِ والمِعراجِ منَ المُعجِزاتِ الَّتي أيَّدَ بها اللهُ عزَّ وجلَّ نَبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانت في العامِ العاشِرِ منَ البَعثةِ، وقد أُسريَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَ المَسجِدِ الحَرامِ في مكَّةَ إلى بَيتِ المَقدِسِ في فِلَسطينَ، ثُمَّ أكرَمَه اللهُ وأصعَدَه مع جِبريلَ إلى السَّماواتِ العُلى، حتَّى أراه الجَنَّةَ وأراه من آياتِه الكُبرى.
وفي هذا الحديث يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن نفسِه أنَّه وقَفَ في الحِجرِ المُلاصِقِ للكعبةِ -وهُوَ المَكانُ المُحاطُ بِجِدارٍ قَصيرٍ-، وكان مُجتمَعًا لِساداتِ قُريشٍ، فسَألُوه عن رِحلتِه الَّتي كانت من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى، ومِن ذلكَ أنَّهم سألُوه عن أشياءَ من بَيتِ المَقدِسِ، أي: مَعالِمِه وما يُعرَفُ به من أوصافٍ يَعرِفُها مَن ذهَبَ إلَيهِ؛ وذلك لأنَّهم يُريدونَ أن يَتَثَبَّتُوا من صِدقِ ما يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أنَّه سافرَ إليه في لَيلتهِ، وعِلمُهُم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يُسافر إليه قَطُّ مُدَّةَ وُجودِه فيهم، ولَكنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكُن قد حفِظَ مَعالِمَ بَيتِ المَقدِسِ؛ لِكَثرةِ ما انشغلَ بِه وما كان في الرِّحلةِ مما هو أهَمُّ منها، فأصابَه لِذلكَ غَمٌّ وهَمٌّ، ولَكن أدرَكَته عِنايةُ اللهِ تَعالَى، فجَسَّدَ اللهُ عزَّ وجلَّ له بيتَ المَقدِسِ ورَفعه أمامَه يَنظُرُ فيه، فما سَألُوه عن شَيءٍ من مَعالِمِه وأوصافِهِ، إلَّا ذَكَرَه لهُم وأخبَرَهم بِهِ.
ثُمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه رأى نفسَه في جماعةٍ منَ الأنبياءِ، فَكانَ مُوسَى عَليه السَّلامُ قائمًا يُصلِّي، يَتَعَبَّدُ لله عزَّ وجلَّ، وفي رِوايةٍ أُخرى لِمُسلِمٍ: «مرَرتُ عَلى مُوسى وهوَ يُصلِّي في قَبرِهِ». ومِن صِفَةِ مُوسَى عليه السَّلامُ أنَّ جَسده نَحيفٌ خَفيفُ اللَّحمِ، وشَعرُه ليسَ ناعِمًا مُستَرسِلًا، كأنَّه من رِجالِ شَنُوءَةَ، في طُولِه وسُمرَتِه، وشَنُوءَةُ: قَبيلةٌ يَمَنيَّةٌ من قَحطانَ، مَعروفونَ بالطُّولِ. ورَأى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عيسَى ابن مَريَمَ عليهما السَّلامُ قائمًا يَتَعَبَّدُ لله عزَّ وجلَّ بالصَّلاةِ، وأقربُ النَّاسِ شَبَهًا به في هَيئتِه ومَلامِحِه عُروَةُ بنُ مَسعُودٍ الثَّقَفيُّ رَضيَ اللهُ عَنهُ، وهو عمُّ والِدِ الصَّحابيِّ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ، وأمُّه سُبَيعةُ بِنتُ عَبدِ شَمسِ بنِ عَبدِ مَنافٍ، أُختُ آمِنةَ، كانَ أحَدَ الأكابِرِ من قَومِه وكانت لَه اليَدُ البَيضاءُ في تَقريرِ صُلحِ الحُدَيبيةِ، وفي رِوايةٍ للبُخاريِّ: «فأمَّا عِيسَى فأَحْمَرُ، جَعْدٌ، عَرِيضُ الصَّدْرِ».
ورأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إبراهيمَ عليه السَّلامُ وهو يَتَعَبَّدُ لله عزَّ وجلَّ بالصَّلاةِ، وكانَ أشبَهَ النَّاسِ به في هَيئتِه وملامِحِه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وعِندَ لِقائه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالأنبياءِ دخَلَ وقتُ الصَّلاةِ وهو معهم، فصَلَّى بالأنبياءِ عليهِمُ السَّلامُ إِمامًا.
فإن قيلَ: كَيفَ رأى مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُوسى عَليه السَّلامُ يُصلِّي في قَبرِهِ، ثُمَّ وجَدَه عَلى مَرتبتِه في السَّماواتِ؟ فيُجابُ عَلى ذلكَ بأنَّ قِصَّةَ الإسراءِ والمِعراجِ، ورُؤيةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كلُّ ذلكَ خارِجٌ عن تَصوُّرِنا، ولكنَّه فِعلُ الواحِدِ القهَّارِ، لا يُعجِزُه شَيءٌ، بَل هو قادرٌ عَلى أكثَرَ من ذلكَ، فنُؤمِنُ بأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى مُوسى عَليه السَّلامُ في قَبرِه يُصلِّي، ثُمَّ صلَّى به وبِالأنبياءِ الآخَرينَ ببَيتِ المَقدِسِ، ثُمَّ استَقبَلوه بالتَّرحيبِ في عُروجِه سماءً سماءً.
ولمَّا انتهَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَ الصَّلاةِ، قال لَه قائلٌ -والظَّاهِرُ أنَّه جِبريلُ عَليه السَّلامُ-: يا مُحمَّدُ، هذا مالِكٌ حارِسُ النَّارِ، وهو أحدُ المَلائكةِ، وطلَبَ المُنادي من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُسَلِّمَ على مالِكٍ، فالتَفَت النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى مالِكٍ، فألقى مالِكٌ السَّلامَ عَلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفي الحَديثِ: بيانٌ لفَضلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما وَصَل إلَيه من منزِلَةٍ عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيهِ: بَيانُ عِنايةِ اللهِ سُبحانَه وتَعالَى بِنَبيِّه وتَأييدِه بالبَيِّناتِ.