باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان واستحباب أن لا يخلى شهرا عن صوم
بطاقات دعوية
حديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً دَاوَمَ عَلَيْهَا
جعل الله تعالى الأعمال الصالحة متفاضلة، وأفضلها هي التي يستمر عليها صاحبها ويداوم عليها
وفي هذا الحديث تخبر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرا، أي: يتخذه كالحجرة ويجعله حاجزا بينه وبين غيره بالليل، وكان ذلك في ساحة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فيصلي خلفه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فلما رآه الناس جعلوا يثوبون -أي يرجعون- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل صلى الله عليه وسلم على الناس، فقال: «يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون»، أي: أدوا منها ما في استطاعتكم؛ وهذا أمر عام لا يختص بالصلاة، بل في جميع أعمال البر، وعليه يكون المعنى: فاشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه، وافعلوا ما تقدرون عليه من الصيام والقيام، ولا تشقوا على أنفسكم؛ «فإن الله لا يمل حتى تملوا»، أي: فإن الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، «وإن أحب الأعمال إلى الله»، أي: التي تقرب من الله عز وجل، وتكون سببا في نيل فضله وثوابه «ما دام» واستمر في حياة العامل، «وإن قل»؛ لأنه يستمر، بخلاف الكثير الشاق، فالمواظبة على العمل القليل أمر حسن؛ لأنها تكثرها، وتجعل صاحبها دائم الصلة بالعمل الصالح
وقوله: «فوالله لا يمل الله حتى تملوا». في هذا دليل على إثبات صفة الملل لله تعالى، لكن ملل الله ليس كملل المخلوق؛ فملل المخلوق نقص؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله فهو كمال وليس فيه نقص، وهو كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال، وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالا
ومن العلماء من قال أنه يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل فإن الله يجازيك عليه، فاعمل ما بدا لك؛ فإن الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل
ومنهم من قال أن هذا لا يستلزم ثبوت الملل لله عز وجل
وفي الحديث: بيان شفقته ورأفته بأمته صلى الله عليه وسلم
وفيه: أن العمل القليل الدائم خير من الكثير المنقطع
وفيه: الحث على الاقتصاد في العبادة واجتناب التعمق