باب ضالة الإبل والبقر والغنم 1
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد، عن حميد الطويل، عن الحسن، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير
عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ضالة المسلم حرق النار" (1).
المسلِمُ أخو المسلِمِ؛ يَحفَظُ عليه مالَه وعِرْضَه وسائرَ حُقوقِه، وقد بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أحكامَ المالِ الضَّائعِ الَّذي يَجِدُه المسلِمُ، سواءٌ كان نَقْدًا أو حيَوانًا أو غيرَ ذلك.
وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ الشِّخِّيرِ رَضِي اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "ضالَّةُ المسلِمِ"، أي: الضَّائعةُ مِن كلِّ ما يُقتَنى مِن الحيَوانِ وغيرِه "حَرْقُ النَّارِ"، أي: فيه العذابُ بالنَّارِ لِمَن أخَذَها ولم يُعرِّفْها، أو قصَدَ الخيانةَ فيها. والمراد في هذا الحديثِ بالضَّالَّةِ: الضَّائعةُ مِن الإبِلِ أو البقَرِ ممَّا يَحْمي نفْسَه ويَقْوى على الإبعادِ في طلَبِ المَرْعَى والماءِ فلا يُؤخَذُ ولا يُنتَفَعُ به، بل يُترَكُ حتَّى يأتيَ صاحبُه ويأخُذُه، بخِلافِ الغنَمِ والماعِزِ ممَّا لا يَقْوى على حمايةِ نَفْسِها، ولا تَصبِرُ على الجوعِ والعطَشِ، ولو تُرِكَت لأكَلَها الذِّئبُ، فمِثلُ هذا يُؤخَذُ ويُعرَّفُ حتَّى يأتِيَ صاحبُها. وقيل: تُؤخَذُ الإبِلُ والبقَرُ، وتُعرَّفُ، واستُدلَّ لذلك بما رَواه ابنُ ماجَهْ أيضًا مِن قولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للَّذى سأَلَه عن اللُّقَطةِ: "اعْرِفْ عِفاصَها ووِكاءَها"؛ فأمَرَه بمَعرِفةِ قَدْرِها مع تَمْييزِها عن مالِه الخاصِّ، ولم يَقُلْ له: لِمَ أخَذْتَها؟ وذلك دليلٌ على أنَّ الفَضْلَ في أخْذِها وتعريفِها؛ لأنَّ ترْكَها عونٌ على ضَياعِها، ومِن الحقِّ النَّصيحةُ للمُسلِمِ، وأن يَحوطَه في مالِه بما أمكَنه، ويَدُلُّ على ذلك ما أيضًا ما رواه مُسلِمٌ عن زَيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنيِّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن آوى ضَالَّةً فهُوَ ضالٌّ مَا لم يُعرِّفْها"، وفي السُّننِ الكُبْرى للنَّسائيِّ عن الجارودِ العَبديِّ رَضِي اللهُ عنه، قال: "أتَيْنا على رسولِ اللهِ ونحنُ على إبِلٍ عِجافٍ فقُلنا: يا رسولَ اللهِ، إنَّا نَمُرُّ بالجُرُفِ، فنَجِدُ إبِلًا فنَركَبُها؟ فقال: ضالَّةُ المسلِمِ حَرْقُ النَّارِ"، فكان سُؤالُهم عن أخْذِها إنَّما هو لأَنْ يَركَبوها، فأجابَهم عليه السَّلامُ بأنْ قال: "ضالَّةُ المسلِمِ حَرْقُ النَّارِ"، أى: ضالَّةُ المسلِمِ حُكْمُها أن تُحفَظَ على صاحِبِها حتَّى تُؤدَّى إليه، لا لأنْ يَنتفِعَ بها لِرُكوبٍ ولا غيرِه.