باب طواف النساء مع الرجال

بطاقات دعوية

باب طواف النساء مع الرجال

عن ابن جُريجٍ: أَخبرَنا عطاءٌ إذْ مَنَعَ ابنُ هشامٍ النساءَ الطوَافَ معَ الرجالِ قال: كيفَ تمنَعهُنَّ وقَد طافَ نساءُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معَ الرجالِ؟ قلتُ: أَبَعْدَ الحِجابِ أو قبلُ؟ قال: إيْ لعَمْري لقد أَدركتُه بعدَ الحِجابِ. قلتُ: كيفَ يُخالِطْنَ الرجالَ؟ قال: لم يَكُنَّ يخالِطْنَ، كانت عائشةُ رضي الله عنها تطوفُ حَجْرةً من الرجالِ لا تخالِطُهمْ. فقالتِ امرأةٌ: انطلقي نَستلمْ يا أُمَّ المؤمنينَ. قالت: عنْكِ. وأَبَتْ. فكُنَّ يخرُجْنَ متنكِّراتٍ بالليلِ، فيطُفْنَ معَ الرجالِ، ولكنَّهنَّ كنَّ إذا دَخلن البيتَ قُمنَ، حتى يدخُلْنَ، وأُخْرجَ الرجالُ، وكنتُ آتي عائشةَ أَنا وعُبيْدُ بنُ عُميْرٍ وهي مجاوِرةٌ في جوْفِ ثَبِيرٍ، قلتُ: وما حِجابُها؟ قال: هي في قُبَّةٍ تُركيَّةٍ، لها غِشاءٌ، وما بينَنا وبينَها غيرُ ذلكَ، ورأَيتُ عليها دِرعاً مورَّداً.
(قلت: أسند فيه طرفاً من حديث أم سلمة المتقدم برقم).

الحَجُّ عِبادةٌ تَوقيفيَّةٌ، عَلَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أصحابَه إيَّاها بالفِعلِ وبالقَولِ، وقد نَقَلوا لنا صِفةَ هذه العِبادةِ كما رَأوْها وأدَّوْها معه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ورَضيَ اللهُ عنهم.
وفي هذا الحَديثِ يَروي التَّابِعيُّ عَطاءُ بنُ أبي رَباحٍ أنَّه لَمَّا رَأى ابنَ هِشامٍ منَعَ النِّساءَ مِنَ الطَّوافِ مع الرِّجالِ في الحَجِّ والعُمرةِ، وابنُ هِشامٍ هو إبراهيمُ بنُ هِشامِ بنِ إسماعيلَ، والي المَدينةِ، وخالُ الخَليفةِ هِشامِ بنِ عَبدِ المَلِكِ بنِ مَرْوانَ، فلَمَّا مَنَعَ طَوافَ النِّساءِ مع الرِّجالِ تَعجَّبَ عَطاءٌ كيف يَمنَعُهنَّ مِن ذلك، وبَيَّنَ أنَّ نِساءَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طُفنَ مع الرِّجالِ في وَقتٍ واحدٍ، ولكنْ مِن ورائهم.
فسَألَ عَبدُ المَلِكِ بنُ جُرَيجٍ شَيخَه عَطاءَ بنَ أبي رَباحٍ: كان طَوافُهنَّ مع الرِّجالِ بَعدَ نُزولِ آيةِ الحِجابِ في قَولِه تعالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] أمْ قَبلَها؟ وكان نُزولُها في تَزَوُّجِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَينَبَ بِنتَ جَحشٍ سَنةَ خَمسٍ مِنَ الهِجرةِ، أو سَنةَ ثَلاثٍ، فأجابَه عَطاءٌ: إيْ لَعَمْري، أيْ: لَحَياتي، وهو مِن بابِ التَّأكيدِ لِكلامِه، وليس لِلقَسَمِ، أنَّه أدرَكَ طَوافَهنَّ مع الرِّجالِ بَعدَ نُزولِ الحِجابِ.
فسَألَه ابنُ جُرَيجٍ عن كَيفيَّةِ مُخالَطتِهِنَّ للرِّجالِ في الطَّوافِ، فأخبَرَه أنَّهنَّ لم يَكُنَّ يُخالِطْنَهم، فقد كانتْ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها تَطوفُ حَجْرةً، أيْ: في ناحيةٍ بَعيدةٍ مِنَ الرِّجالِ، لا تُخالِطُهم، فطلَبَتْ منها امرأةٌ أنْ تَنطَلِقَ وتَذهَبَ حتى تَستلِمَ الحَجَرَ، فأبَتْ ذلك عائِشةُ.
وأخبَرَ عَطاءٌ أنَّ نِساءَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والنِّساءَ عامَّةً كُنَّ يَخرُجنَ مُستَتِراتٍ باللَّيلِ، فيَطُفنَ مع الرِّجالِ، ولكنَّهنَّ كُنَّ إذا أرَدنَ الدُّخولَ إلى البَيتِ الحَرامِ وَقَفْنَ قائِماتٍ عِندَ خُروجِ الرِّجالِ.
ويَحكي عَطاءٌ أنَّه كان يَأتي عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها هو وعُبَيدُ بنُ عُمَيرٍ الحِجازيُّ، قاضي مَكَّةَ، وهي مُجاوِرةٌ ومُقيمةٌ في جَوفِ جَبلِ ثَبِيرٍ، وهو جَبلٌ في المُزدلِفةِ على يَسارِ الذَّاهِبِ منها إلى مِنًى، وعلى يَمينِ الذَّاهِبِ مِن مِنًى إلى عَرَفاتٍ، وكان حِجابُها خَيمةً صَغيرةً تُركيَّةً مِن لُبودٍ -أيْ: مِن صُوفٍ- تُضرَبُ في الأرضِ، لها غِشاءٌ يَحجُبُ بابَها، وما بَينَنا وبَينَها غيرُ ذلك، وأخبَرَ عَطاءٌ أنَّه رَأى عليها دِرعًا مُوَرَّدًا، أيْ: قَميصًا أحمَرَ، لَونُه لَونُ الوَرْدِ، وفي رِوايةِ عبدِ الرَّزَّاقِ: دِرعًا مُعَصفَرًا، وأنا صَبيٌّ. فبَيَّنَ بذلك سَببَ رُؤيَتِه إيَّاها.
وفي الحَديثِ: طَوافُ النِّساءِ مُتنَكِّراتٍ بما يَستُرُهنَّ عن أعيُنِ الرِّجالِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ طَوافِ النِّساءِ باللَّيلِ.
وفيه: جَوازُ طَوافِ النِّساءِ مِن وَراءِ الرِّجالِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ المُجاوَرةِ بمكَّةَ وفي الحَرمِ كلِّه.