باب عطية المرأة بغير إذن زوجها

سنن ابن ماجه

باب عطية المرأة بغير إذن زوجها

حدثنا أبو يوسف الرقي محمد بن أحمد الصيدلاني، حدثنا محمد بن سلمة، عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة خطبها: "لا يجوز لامرأة في مالها إلا بإذن زوجها، إذا هو ملك عصمتها" (1).

نظَّم الشَّرعُ أُمورَ الناسِ، وساوَى بينَ الذَّكَرِ والأُنْثى في أصْلِ التَّكْليفِ، ولكنَّه جعَل لكلٍّ منهما أحْكامًا خاصَّةً، وجعَل للمرأةِ ذِمَّةً ماليَّةً خاصَّةً تَملِكُ بها المالَ، ولكنَّ المرأةَ المتزوِّجةَ لِزَوجِها اعتبارٌ فيما يتَعلَّقُ بإذنِه لها، وفي هذا الأثر أنَّ جمْعًا من الصَّحابَةِ والتابِعينَ -منهم عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو وكعبُ بنُ مالِكٍ وعُبادَةُ بنُ الصامِتِ ومُجاهِدٌ- قالوا: "لا تَجوزُ لامْرَأَةٍ هِبَةٌ"، أي: تُعْطي وتُهْدي ونَحْوَ ذلك كالصَّدقةِ، "في مالِها" وهذا فيه وجْهانِ؛ الأوَّلُ: أنَّه مالُ زوجِها الذي في يَدِها، وأُضِيفَ إليها لِكَوْنِه في تَصرُّفِها. الثاني: أنَّه مالُ نفْسِها؛ فلا يَنْبَغي أنْ تتصرَّفَ فيه إلَّا بمَشورةِ زَوجِها؛ تأدُّبًا، ولأنَّهنَّ ناقِصاتُ عَقلٍ، "إلَّا بإذنِ زَوْجِها"، أي: ليس لها التَّصرُّفُ في مالِها إلَّا بما يَأذَنُ فيه الزَّوجُ "إذا مَلَكَ زوْجُها عِصْمتَها"، فيكونُ السَّببُ في طلَبِ إذْنِه حُسْنَ العِشْرةِ، واستطابةَ نفْسِ الزَّوجِ، والأدَبَ معَه وإلَّا فقدْ وَرَدَ في النُّصوصِ ما يَدُلُّ على عدَمِ إلْزامِ المرْأَةِ بإذْنِ زوْجِها إنْ تَصدَّقَتْ مِن مالِها؛ ومِنْها: حديثُ مَيْمونةَ رضِيَ اللهُ عنها- كما في الصَّحيحيْنِ-: أنَّها أعتَقَتْ وَليدةً، ولم تَستأذِنِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ولم يُنكِرْ عليها. والإذْنُ نَوْعانِ: الأوَّلُ الصَّريحُ بالصَّدَقةِ، والثاني: ما كان عُرفًا مِن صدَقةٍ قَليلةٍ؛ كإعطاءِ السائلِ رَغيفَ خُبزٍ، ونحوِ ذلك، وعُلِمَ رِضا الزَّوجِ عن ذلك.