باب علامات النبوة في الإسلام 21
بطاقات دعوية
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي - رضي الله عنه - افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل: يا رسول الله! أنا أعلم لك علمه، فأتاه، فوجده جالسا في بيته، منكسا رأسه، فقال: ما شأنك؟ فقال: شر؛ كان يرفع صوته (38) فوق صوت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد حبط عمله، وهو من أهل النار، فأتى الرجل [النبي - صلى الله عليه وسلم - 6/ 46]، فأخبره أنه قال كذا وكذا، فقال موسى بن أنس (39): فرجع [إليه] المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال:
"اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن [ـك] من أهل الجنة".
كان أصْحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقِفونَ عندَ حُدودِ اللهِ تعالَى، ودائمًا ما يُراقِبونَ أنفُسَهم ويُحاسِبونَها؛ ولهذا لمَّا نزَل قَولُه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]، ظنَّ ثابتُ بنُ قيسٍ أنَّه هو المَقصودُ بالآيةِ، وأنَّ عمَلَه قدْ حَبِطَ، يَعني: بطَلَ؛ وذلك لأنَّ صَوتَه كان مُرتفِعًا خِلْقةً، ولأنَّه كان خَطيبَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وخَطيبَ الأنْصارِ، فكان يَرفَعُ صَوتَه في حَضْرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فظنَّ أنَّه المَقصودُ بالوَعيدِ في الآيةِ، فجَلَس في بَيتِه حَزينًا لهذا الأمرِ، فلمَّا افتَقَدَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَألَ عنه، فقال رَجلٌ مِن أصْحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أنا أعلَمُ لكَ عِلمَه»، فتَكفَّلَ بمَعرفةِ خَبرِه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذهَبَ إليه، فوجَدَه مُنكِّسًا رَأسَه إلى الأرضِ في بَيتِه، حَزينًا، فسَأَلَه: ما شأنُكَ؟ فأخبَرَه ثابتٌ ما به مِن الشَّرِّ؛ لأنَّه كان يَرفَعُ صَوْتَه فوقَ صَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقدْ تَوعَّدَ اللهُ عليه بإحْباطِ العمَلِ، وبدُخولِ النَّارِ، فرجَع الرَّجلُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأخبَرَه بذلك، فأمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَرجِعَ إليه، ويُبلِّغَه بِشارةً عَظيمةً؛ وهي أنَّه ليس مِن أهلِ النَّارِ، وأنَّه مِن أهلِ الجَنَّةِ.
وفي الحَديثِ: فَضلٌ ومَنقَبةٌ لثابتِ بنِ قَيسٍ رَضيَ اللهُ عنه.