باب عيادة الأعراب
بطاقات دعوية
عن ابن عباس - رضي الله عنهما؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابى يعوده، قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل على مريض قال له:
"لا بأس، طهور إن شاء الله تعالى"، قال: قلت: طهور! كلا؛ بل هى حمى تفور، -أو تثور (3) - على شيخ كبير [كيما 7/ 7]، تزيره القبور! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"فنعم إذا".
إحْسانُ الظَّنِّ باللهِ مِن صِفاتِ المؤمِنِ الحقِّ، فهو يَرْجو الخَيرَ والفَضلَ مِن اللهِ سُبحانَه في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وفي كلِّ أحْوالِه، ويُسلِّمُ أمْرَه للهِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذهَب إلى أعْرابيٍّ -وهو الذي يَسكُنُ الصَّحْراءِ- يَعودُه، ويَزورُه في مَرضِه، فدَعا له، فقال: «لا بَأسَ» عليكَ، هو «طَهورٌ» لكَ مِن ذُنوبِكَ إِن شاء اللهُ، فقال الأعْرابيُّ: لا، ليس بطَهورٍ، بلْ هي حُمَّى «تَفورُ -أو قال: تَثورُ-»، أي: يَظهَرُ حَرُّها ووَهْجُها وغَلَيانُها، «على شَيخٍ كَبيرٍ، تُزِيرُه القُبورَ»، فتَكونُ نِهايتُها الموتَ، مِن: أزارَه؛ إذا حَمَلَه على الزِّيارةِ، فالمَعنى: لَيس كما رجَوْتَ لي مِن تَأخيرِ الوَفاةِ، بلْ يَكونُ المَوتُ مِن هذا المَرضِ هو الواقِعَ، وذلك غايةُ الجَهلِ مِن هذا الأعْرابيِّ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فنَعمْ إذَنْ»، وهذا تَقْريرٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِما قاله الأعْرابيُّ، والمَعنى: أرشَدتُكَ بقَوْلي: لا بَأسَ عليكَ، إلى أنَّ الحُمَّى تُطهِّرُكَ وتُنقِّي ذُنوبَكَ، فاصبِرْ شُكرًا عليها، فأبَيْتَ إلَّا اليأْسَ والكُفْرانَ، وما اكتفَيْتَ بذلك، بلْ ردَدْتَ نِعْمةَ اللهِ، فكان كما زعَمْتَ، والأمرُ كما تقولُ، وقَضاءُ اللهِ كائنٌ لا مَحالةَ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك غَضبًا عليه؛ إذ أرشَدَه إلى الصَّبرِ والشُّكرِ فأَبى، ولم يَسلُكْ طَريقةَ الأدَبِ، وتَجاوَزَ الحَدَّ؛ لكَونِه مِن جُفاةِ الأعْرابِ وأجْلافِهم، فلمْ يَثبُتْ مِن شِدَّةِ الوجَعِ، ومع ذلك تَكلَّفَ في السَّجعِ في غيرِ مَقامِه، فغَضِب النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وألْزَمَه بما تَطيَّرَ على نفْسِه.
ويَحتَمِلُ أنْ يكونَ ذلك دُعاءً مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الأعْرابيِّ، ويَحتَمِلُ أنْ يكونَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علِمَ أنَّه سيَموتُ مِن ذلك المَرضِ، فدَعا له بأنْ تكونَ الحُمَّى طُهْرةً لذُنوبِه، فأصبَحَ ميِّتًا.
وفي الحَديثِ: حُسنُ مُعاشَرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعِيادتُه للمَرْضى.
وفيه: مُخاطَبةُ المَريضِ بما يُسلِّيه مِن ألَمِه بتَذْكيرِه بالكفَّارةِ لذُنوبِه، وتَطْهيرِه مِن آثامِه، ويُطمِّعُه بالأجْرِ والعافيةِ؛ لئلَّا يَسخَطَ أقْدارَ اللهِ تعالَى.