باب غزوة خيبر 11
بطاقات دعوية
فلما جاء النبى - صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبى الله! إن عمر قال كذا وكذا، قال: «فما قلت له؟». قالت: قلت له كذا وكذا. قال:
«ليس بأحق بى منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة! هجرتان».
قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونى أرسالا يسألونى عن هذا الحديث؟ ما من الدنيا شىء هم به أفرح ولا أعظم فى أنفسهم مما قال لهم النبى - صلى الله عليه وسلم -.
قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث منى.
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أمَرَ بَعضَ أصحابِه بِالهجرِة إلى الحَبشةِ فِرارًا بدِينِهم وبأنفُسِهم مِن أذَى المشركينَ في مكَّةَ، واختارَ الحَبَشةَ للهِجرةِ إليها؛ لأنَّ ملِكَها النَّجاشِيَّ كان رجُلًا عادلًا، وكان فيمَن هاجَرَ جَعفرُ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه، وكان ذلك قبْلَ أنْ يَفرِضَ اللهُ على المسلمينَ الهِجرةَ إلى المدينةِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو مُوسى الأشعريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كان بأرضِ اليمنِ، حِين سَمِعَ بمَبعَثِ وهِجرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المدينةِ، فأرادَ الهجرةَ إليه في المدينةِ هو وإخوتُه أَبو رُهْمٍ وأبو بُرْدةَ، ومعهم ثَلاثةٌ وخَمسونَ أو اثنانِ وخَمسون رجُلًا مِن قومِهم قد أسْلَموا، فلمَّا رَكِبوا السَّفينةَ مِن اليمَنِ ليَصِلوا إلى مكَّةَ، ألْقَتْهم عندَ الحَبَشةِ، فقابَلوا جَعفرَ بنَ أبي طالبٍ ومَن معه مِنَ المسلميَن المهاجِرينَ، فظلُّوا معهم إلى أنْ قَدِموا جميعًا بعْدَ فَتحِ خَيبرَ سَنةَ سَبْعٍ مِن الهِجرةِ، وكانت قَريةً يَسكُنُها اليهودُ على بُعْدِ (153 كم) مِن المدينةِ مِن جِهةِ الشَّمالِ على طَريقِ الشَّامِ، فلمَّا قَدِموا أَسهَمَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجعَلَ لهم نَصيبًا مِنَ الغنائمِ مِن فتْحِ خَيبرَ، وذلك بعْدَ أنْ شاوَرَ فيهم المسلمينَ المُحارِبين فوافَقوا، كما بيَّنَت رِوايةُ البَيهقيِّ، ولم يَجعَلْ لِأحدٍ لم يَشهَدِ الغزوَ شَيئًا إلَّا أصحابَ السَّفينةِ، وهم جَعفرُ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه ومَن كان معه مِن المُهاجِرين مِن مكَّةَ، وأَبو مُوسى الأشعريُّ ومَن كان معه مِن قَومِه والمهاجرِينَ إلى الحَبَشةِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ مَنقَبةِ ومَنزلةِ المهاجِرينَ الأوائلِ -مِثلُ جَعفرِ بنِ أبي طالبٍ وأبي مُوسى الأشعريِّ ومَن كانوا مَعَهما- بأنَّ لهم هِجْرتينِ.
وفيه: أنَّ للإمامِ والحاكمِ التَّصرُّفَ في أموالِ المَغانمِ، وأنْ يُخصِّصَ جُزءًا منه لِنوائبِ المسلمينَ ولمَن فَقَدَ مالَه، كما أعْطى أهْلَ السَّفينةِ.
وفيه: بَيانُ ما عاناهُ المسلِمون الأوائلُ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن آلامٍ حتَّى أوصَلوا دَعوةَ اللهِ إلى النَّاسِ.