باب غزوة خيبر
بطاقات دعوية
فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذه النيران على أي شيء توقدون قالوا: على لحم قال: على أي لحم قالوا: لحم حمر الإنسية قال النبي صلى الله عليه وسلم: أهريقوها واكسروها فقال رجل: يا رسول الله أو نهريقها ونغسلها؛ قال: أو ذاك
فلما تصاف القوم كان سيف عامر قصيرا، فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبة عامر، فمات منه قال: فلما قفلوا، قال سلمة: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيدي، قال: ما لك قلت له: فداك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله قال النبي صلى الله عليه وسلم: كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين إصبعيه: إنه لجاهد مجاهد، قل عربي مشى بها مثله
يسر الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتح خيبر، وهي من الفتوحات التي أفادت المسلمين حينها ماديا ومعنويا
وفي هذا الحديث يخبر سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وكانت في السنة السابعة من الهجرة، وخيبر: قرية كبيرة كان يسكنها اليهود، وكانت ذات حصون ومزارع على بعد 173 كيلو تقريبا من المدينة إلى جهة الشام، وكان خروجهم إليها في الليل، فقال رجل من القوم -قيل: هو أسيد بن حضير رضي الله عنه- لعامر بن الأكوع رضي الله عنه عم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: «يا عامر، ألا تسمعنا من هنيهاتك؟» أي: من قصائدك وأراجيزك، والهنيهة: الكلام القصير، «وكان عامر رضي الله عنه رجلا شاعرا حداء»، والحداء: هو الغناء للإبل عند سوقها، فبدأ يحدو وينشد ويقول:
«اللهم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا»
أي: لولا هدايتك لنا يا ربنا، وإرسالك نبيك ما اهتدينا إلى الحق والإسلام وأعماله؛ من الصدقة والصلاة وغير ذلك
«فاغفر فداء لك ما أبقينا»
أي: يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم عفوه عما كان منهم من تقصير في حقه، وفداء لنصرته، و«ما أبقينا» من الإبقاء، أي: ما خلفنا وراءنا مما اكتسبناه من الآثام، وضبطت في رواية: «اتقينا»، أي: ما تركناه من الأوامر، أو يكون المخاطب بقوله: «فداء لك» الله عز وجل، وأراد به تعظيم شأن المولى سبحانه وتعالى، وإظهار محبته، فكما أن الإنسان إذا رفع شأن إنسان، وأراد إظهار محبته له فداه بنفسه، وأبيه، وأمه، فكذلك قول العبد: «فداء لك رب اغفر لي، وارحمني» لا يريد به إلا ذلك، ولا يستلزم ذلك أن يلحق بالله سبحانه وتعالى مكروه، أو مخوف، وإنما هو مجرد تعظيم وإظهار محبة، ثم يقول:
«وثبت الأقدام إن لاقينا *** وألقين سكينة علينا»
يطلب الثبات من الله عز وجل، وأن يلقي عليهم الطمأنينة وعدم الفزع عند لقاء العدو
«إنا إذا صيح بنا أبينا»
أي: إذا دعينا إلى غير الحق، امتنعنا عن الإجابة، وروي: «إذا صيح بنا أتينا»، أي: إذا دعينا للقتال أو الحق جئنا
«وبالصياح عولوا علينا»
أي: جعل الأعداء يدعوننا بالصوت العالي ويستغيثون علينا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذا السائق؟» أي: الذي يحدو ويسوق الإبل، فقالوا: «عامر بن الأكوع»، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة قائلا: «يرحمه الله»، وهو إشارة إلى أنه سيستشهد في تلك الغزوة
قال رجل من القوم: «وجبت يا نبي الله»، أي: وجبت له الرحمة بالشهادة، «لولا أمتعتنا به؟»، يعني: لولا أبقيته لنا حتى يمتعنا بما يقول وينشد. وفي صحيح مسلم: «فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبي الله، لولا ما متعتنا بعامر»
ثم ذكر سلمة رضي الله عنه أنهم أتوا يهود خيبر فحاصروهم، وطال الحصار حتى أصاب المسلمين جوع شديد، ثم أذن الله بفتحها عليهم وقد أصابتهم مجاعة شديدة، فلما دخل عليهم الليل في اليوم الذي فتحت فيه خيبر، أوقد الناس نيرانا كثيرة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب إشعال تلك النار، فأخبروه أنها أوقدوها على لحم يطهونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على أي لحم؟ قالوا: لحم حمر الإنسية»، أي: الحمر التي يستعملها الناس في ركوبهم وأحمالهم، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها وأمرهم أن تفرغ القدور على الأرض وتكسر، فعرض رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرموا اللحم ويغسلوا القدور دون أن يكسروها، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «أو ذاك»، أي: تغسل ولا تكسر
وأخبر سلمة رضي الله عنه أنهم لما وقفوا صفوفا في مواجهة العدو للقتال، كان سيف عامر بن الأكوع رضي الله عنه قصيرا، فتناول به ساق يهودي ليضربه، فرجع طرف السيف وحده الأعلى إلى عامر، فأصاب طرف ركبته رضي الله عنه، فمات عامر من تلك الإصابة
فلما انتهوا ورجعوا من خيبر، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد سلمة رضي الله عنه، وقال له: «ما لك؟»؛ وذلك لما فيه من حزن على فقده لعمه، وعلى ما يسمعه من الناس فيه، فقال سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم: «فداك أبي وأمي، زعموا أن عامرا حبط عمله!»، أي: يتحدث الناس أن عامرا قد قتل نفسه بسيفه، فبطل عمله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كذب من قاله»، أي: قال غير الحق من قال: حبط عمل عامر، والعرب تقول: «كذب» لمن أخطأ، «إن له لأجرين -وجمع بين إصبعيه- إنه لجاهد مجاهد»، أي: إن له أجر جهده على الطاعة، وأجر جهاده في سبيل الله عز وجل، «قل عربي مشى بها مثله»، أي: قليل من هم في العرب تجده مثل عامر في جمع تلك الخصلتين. وفي رواية قتيبة بن سعيد، عن حاتم بن إسماعيل: «نشأ بها»، أي: تربى على مثل تلك الخصال التي كانت بعامر بن الأكوع رضي الله عنه
وفي الحديث: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالغيبيات، ووقوعها كما أخبر، وهذا معجزة من معجزاته ومن دلائل نبوته الشريفة صلى الله عليه وسلم
وفيه: منقبة جليلة لعامر بن الأكوع رضي الله عنه
وفيه: تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية
وفيه: التحذير من التقول على الناس واتهامهم دون بينة
وفيه: مشروعية الحداء وإنشاد الشعر