باب فداء الأسارى
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، ومحمد بن إسماعيل، قالا: حدثنا وكيع، عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع
عن أبيه، قال: غزونا مع أبي بكر هوازن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنفلني جارية من بني فزارة من أجمل العرب، عليها قشع لها، فما كشفت لها عن ثوب حتى أتيت المدينة، فلقيني النبي - صلى الله عليه وسلم - في السوق، فقال: "لله أبوك، هبها لي" فوهبتها له، فبعث بها، ففادى بها أسارى من أسارى المسلمين كانوا بمكة
كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعْطي المُحاربينَ والمُجاهِدينَ مِن غنائمِ الحُروبِ بما خوَّلَه اللهُ في ذلك، وكان ربَّما استسمَحَ بعضَهم في بعضِ ما أخَذَه؛ ليَفْدِيَ به الأسرى، أو ينفَعَ به المُسلمينَ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ سَلَمَةُ بنُ الأكوعِ رضِيَ اللهُ عنه: "غزَوْنا مع أبي بكرٍ هَوازِنَ على عهْدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، وهوازنُ: قَبيلةٌ من العربِ كانوا قد قاتَلوا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في وادي حُنَينٍ بعدَ فتحِ مكَّةَ، وهو وادٍ وراءَ عرفةَ دونَ الطَّائفِ، وقيل: بينه وبين مكَّةَ ليالٍ، وتُسَمَّى غَزوةَ حُنَينٍ، وكانتِ الغنائمُ فيها من السَّبْيِ والأموالِ أكثرَ من أنْ تُحْصى، "فنفَّلَني"، أي: أعطاني مِن الغنيمةِ زيادةً على سَهْمي، "جاريةً من بَني فَزارةَ مِن أجملِ العربِ، عليها قَشْعٌ لها"، أي: فَرْوٌ قديمٌ خَلَقٌ، "فما كشَفْتُ لها عن ثوبٍ"، أي: لم أُجامِعْها ولم أقْرَبْها، "حتَّى أتيتُ المدينةَ، فلَقِيَني النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في السُّوقِ، فقال: للهِ أبوكَ" هو في حُكمِ القسَمِ؛ كأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عزَمَ عليه، "هَبْهَا لي"، أي: أعْطِني إيَّاها على سبيلِ الهِبَةِ دونَ مُقابلٍ، قال: "فوهَبْتُها له، فبعَثَ بها، ففادَى بها أُسارى مِن أُسارى المُسلمينَ كانوا بمكَّةَ"، أي: جعَلَها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مُقابِلِ فَكاكِ بعضِ أسرى الحربِ الَّذين كانوا مُحتجَزينَ في مكَّةَ.
وفي الحديثِ: عملُ الإمامِ على فِداءِ أَسرى المسلِمين، والبحثُ عن كلِّ نفيسٍ لدَفْعِه في فِدائِهم وتَخليصِهم من الأَسْرِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ استوهابِ الإمامِ بَعضَ النَّفلِ مِن بعضِ الجُنودِ؛ للمَصلحةِ العامَّة.