باب فدية المحصر1
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن الوليد، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الرحمن ابن الأصبهاني، عن عبد الله بن معقل، قال:
قعدت إلى كعب بن عجرة في المسجد، فسألته عن هذه الآية {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196] قال كعب: في أنزلت، كان بي أذى من رأسي، فحملت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والقمل يتناثر على وجهي. فقال: "ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى، أتجد شاة؟ " قلت: لا. قال: فنزلت هذه الآية: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} قال: فالصوم ثلاثة أيام، والصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام، والنسك شاة
يسَّرَ الشَّرعُ الحنيفُ على النَّاسِ فيما يشُقُّ عليهم من الأحكامِ، وبَيَّن لهم البدائِلَ الشَّرعيَّةَ لِمن لم يستَطِعْ فِعلَ ما أمَرَ اللهُ به.
وفي هذا الحَديثِ يروي التابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ مَعقِلٍ أنَّه قَعَدَ إلى الصَّحابيِّ كَعْبِ بنِ عُجْرةَ رضي الله عنه في مَسجدِ الكوفةِ، فسَألَه عن معْنى قولِه تعالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، فأجابه كَعْبُ بنُ عُجْرةَ رضِيَ اللهُ عنه بما وقَعَ له، فقالَ: حُمِلْتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والقَمْلُ يَتناثَرُ على وَجْهي، وكان ذلك في حَجَّةِ الوداع، وهي الحَجَّةُ التي حَجَّها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا رآه كذلك: «ما كُنتُ أظُنُّ أنَّ الجَهْدَ»، أي: المَشقَّةَ والتَّعبَ «قد بَلَغَ بك هذا» الَّذي رأيْتُ، ثمَّ سأله «أمَا تَجِدُ شاةً؟» وهي الواحِدةُ مِنَ الضَّأنِ، وتُذبَحُ فِديةً نظيرَ ارتكابِ أمرٍ مِن محظوراتِ الإحرامِ بالحَجِّ، وهو هنا حَلْقُ الشَّعرِ لأجْلِ إزالةِ القَملِ عنه، فقال كعبٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا أجِدُها، أي: لا أملِكُها ولا أملِكُ ثمنَها، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صُمْ ثَلاثةَ أيَّامٍ» نظيرَ ما ستفعَلُه من حَلقِ شَعرِ رأسِك، وهذا بيانٌ لِقولِه تعالى: {مِنْ صِيَامٍ}، أو أطْعِم ستَّةَ مَساكينَ بيانًا لِقولِه تعالَى: {أَوْ صَدَقَةٍ}، لكُلِّ مِسكينٍ نِصفُ صاعٍ مِن طَعامٍ. واحلِقْ رأسَك، ثم أخبَرَ كعبُ بنُ عُجرةَ رَضِيَ اللهُ عنه من سأله أنَّ الآيةَ وإن نزلت فيه خاصَّةً، فهي للمُسلمينَ عامَّةً، فالعَمَلُ بمقتضاها لكُلِّ النَّاسِ إلى يومِ القيامةِ.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ حَلقِ المُحرِمِ شَعْرَ رَأسِه لِأَذى القَملِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ الجُلوسِ لمُذاكَرةِ العِلمِ ومُدارستِه.
وفيه: بيانُ حِرصِ التابعينَ على معرفةِ الأحكامِ، وبيانُ الصَّحابة لهم.