باب فرض الجمعة 1
سنن ابن ماجه
حدثنا يحيى بن خلف أبو سلمة، حدثنا عبد الأعلى، عن محمد ابن إسحاق، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه أبي أمامة، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال:
كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان يستغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة، ودعا له،فمكثت حينا أسمع ذلك منه، ثم قلت في نفسي: والله إن ذا لعجز، إني أسمعه كلما سمع أذان الجمعة يستغفر لأبي أمامة ويصلي عليه، ولا أسأله عن ذلك لم هو؟ فخرجت به كما كنت أخرج به إلى الجمعة، فلما سمع الأذان استغفر كما كان يفعل، فقلت له: يا أبتاه، أرأيتك صلاتك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة، لم هو؟ قال: أي بني، كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة في نقيع الخضمات، في هزم من حرة بني بياضة. قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلا (1).
صَلاةُ الجُمعةِ لها مكانةٌ عظيمةٌ في الإسلام؛ حيث إنَّها صلاةٌ أسبوعيَّةٌ يَجتمِعُ فيها المسلِمون في مَساجدِهم ويتَعرَّفون على أمورِ دينِهم، وتَظهَرُ عزَّتُهم وكثرتُهم، وقد صلَّاها المسلِمون في المدينةِ قبلَ هجرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم إليها.
وفي هذا الحديثِ يخبِرُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ كعبِ بنِ مالكٍ عن أبيه رَضِي اللهُ عنه: "أنَّه كان إذا سَمِع النِّداءَ"، أي: الأذانَ "للصَّلاةِ يومَ الجمعةِ؛ ترَحَّم لأسعَدَ بنِ زُرارةَ"، أي: دَعا له بالرَّحمةِ، قال عبدُ الرَّحمنِ لأبيه: "إذا سَمِعتَ النِّداءَ ترَحَّمتَ لأسعدَ بنِ زُرارةَ؟"، وهذا سؤالُ استِفهامٍ عن هذه الحالةِ، ولِماذا يخصُّ أسعدَ بنَ زُرارةَ دونَ غيرِه بالتَّرحُّم؟ قال كعبٌ: "لأنَّه أوَّلَ مَن جمَّعَ بِنا"، أي: صلَّى بنا الجُمعةَ؛ وذلك قبلَ مَقدَمِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم إلى المدينةِ، "في هَزْمِ النَّبِيتِ مِن حَرَّةِ بَني بَياضَةَ في نَقيعٍ يُقال له: نقيعُ الخَضِماتِ"، والخَضِماتُ: موضعٌ بنَواحي المدينةِ، والنَّقيعُ: مُجتمَعُ الماءِ في ذلك المكانِ، وبَنو بَياضةَ: عَشيرةٌ مِن عَشائرِ الأنصارِ، والحَرَّةُ: هي الحِجَارةُ السَّوداءُ، والهَزْمُ: المطمئِنُّ مِن الأرضِ، والمرادُ أنَّه صلَّى بهِمُ الجُمعةَ في هذا المكانِ مِن قريةٍ اسمُها: هَزْمُ النَّبيتِ، قال عبدُ الرَّحمنِ: "كم أنتُم يومَئذٍ؟ أي: كم كان عددُ مَن أدَّوْا تلك الصَّلاةَ في ذلك الوقتِ؟ قال كعبٌ: أربَعون"، أي: أربَعون رجُلًا مِن الأنصارِ.
وفي الحديثِ: التَّرحُّمُ والدُّعاءُ على مَن سَنَّ سُنَّةً حسَنةً في الإسلامِ.