باب فضائل المدينة

بطاقات دعوية

باب فضائل المدينة

 عن عبد الله بن أبي مليكة قال: كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد؛ فقال: أما الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذته"؛ أنزله أبا. يعني: أبا بكر.

كان أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضيَ اللهُ عنه أقرَبَ النَّاسِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فهو رَفيقُه في هِجرَتِه، وهو أعظَمُ هذه الأُمَّةِ إيمانًا وتَصْديقًا، بحيثُ لو وُزِنَ إيمانُه بإيمانِ النَّاسِ كلِّهم لرجَحَ إيمانُه
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي التَّابِعيُّ عبدُ اللهِ بنُ أبي مُلَيْكةَ أنَّ أهلَ الكوفةِ كَتَبوا إلى عبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما في الجَدِّ، يَعني في مَسألةِ الجَدِّ ومِيراثهِ، فقال: «أمَّا الَّذي قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، يَعني قال فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لو كُنتُ مُتِّخِذًا مِن هذه الأُمَّةِ خَليلًا»، والخَليلُ: هو المُنقَطَعُ إليه، المُختَصُّ بشَيءٍ دونَ غَيرِه، وهو مَن لا يَتَّسعُ القَلبُ لغَيرِه، فنَفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تَكونَ حاجَتُه وانقِطاعُه إلى غَيرِ اللهِ تعالَى، كما في رِوايةِ مُسلِمٍ: «فإنَّ اللهَ تعالَى قدِ اتَّخَذَني خَليلًا، كما اتَّخذَ إبْراهيمَ خَليلًا»
وقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لاتَّخَذْتُه» يَقصِدُ أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، يَعني: لو كُنتُ مُتَّخذًا مِن الخَلقِ خَليلًا تَتَخلَّلُ مَحبَّتُه في باطِني وقَلبي، ويَكونُ مُطَّلِعًا على سِرِّي؛ لَكان أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه؛ لأنَّه أقرَبُ أحْبابي إلَيَّ، وأقدَمُهم صُحْبةً، وأكثَرُ النَّاسِ بنفْسِه ومالِه مُواساةً في سَبيلِ اللهِ، وهذا يدُلُّ على نَفيِ الخُلَّةِ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأحدٍ مِن النَّاسِ؛ لأنَّ الخُلَّةَ تُلزِمُ زِيادةَ مُراعاةٍ للخَليلِ وقِيامٍ بحَقِّه، واشتِغالَ القَلبِ بأمْرِه، فأخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لَيس عِندي بَقيَّةٌ -معَ خُلَّةِ الحقِّ- للخَلقِ؛ لاشتِغالِ قَلْبي بمَحبَّتِه سُبحانَه، فلا يَحتمِلُ مَيلًا إلى غَيرِه
ثمَّ قال عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما: «أنزَلَهُ أبًا. يَعني أبا بَكرٍ»، والمَعنى: أنَّ أبا بَكرٍ أنزَلَ الجَدَّ مَنزِلةَ الأبِ في استِحْقاقِه للميراثِ، وأنَّ عبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ يُفْتي بقَولِ أبي بَكرٍ
وفي الحَديثِ: فَضلٌ ومَنقَبةٌ لأبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه