باب فضل أصحاب الشجرة رضي الله عنهم
بطاقات دعوية
عن أم مبشر أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول عند حفصة لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد (1) الذين بايعوا تحتها قالت بلى يا رسول الله فانتهرها فقالت حفصة (وإن منكم إلا واردها) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال الله عز وجل (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا). (م 7/ 169
جاهَدَ المسْلِمون مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جِهادًا عَظيمًا، حتَّى أتمَّ اللهُ نَصْرَ دِينِه ونشَرَ دَعْوتَه، وحَفِظَ اللهُ سُبحانه هذا الجهادَ لِأهلِه وأعْطى للمُجاهِدين أُجورَهم في الدُّنيا والآخرةِ، ومِن هؤلاء المُجاهِدين الأوَّلين أصحابُ الشَّجرةِ، وقدْ أثْنى اللهُ سُبحانَه وتَعالَى عليهم، ورَضِي عنهم، وشَهِدَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالجنَّةِ.
وفي هذا الحديثِ تَرْوي أُمُّ مُبشِّرٍ الأنصاريَّةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَخْبَرَ وهو في بَيتِ زَوجتِه حَفْصَةَ بنتِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه لا يَدْخلُ النَّارَ -إنْ شاءَ اللهُ- مِن أصحابِ الشَّجرةِ أحدٌ، وأصحابُ الشَّجرةِ هُمْ أهلُ بيعةِ الرِّضوانِ بالحُدَيْبيةِ، وهم الَّذِينَ بَايَعوا تَحْتَ هذه الشَّجرةِ على الجهادِ والإسلامِ، وعلى الموتِ أو على ألَّا يَفِرُّوا، وكان ذلك في العامِ السَّادسِ مِن الهجرةِ، ومَعناه: لا يَدخُلُها أحدٌ منهم قطْعًا، وإنَّما قال: «إنْ شاء اللهُ» للتَّبرُّكِ لا للشَّكِّ، وقدْ قال اللهُ تعالَى فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، ثمَّ إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَ هذه البَيعةِ صالَحَ أهْلَ مكَّةَ، وكَفى اللهُ المؤمنينَ القتالَ، وأحْرَزَ لهم الثَّوابَ، وأثابَهُم فتْحًا قَريبًا ورِضوانًا عَظيمًا.
فَردَّتْ أُمُّ المؤمنينَ حَفْصَةُ رَضيَ اللهُ عنها قائلةً: «بَلى يا رسولَ الله»؛ أي: بلْ يَدخُلونها، وقولُها: «بلى» قولٌ أخْرَجَه منها الشَّهامةُ النَّفسيَّةُ والقُوَّةُ العُمَريَّةُ، وهذا كأنَّه اعتراضٌ منها، وأنَّها تَرى أنَّه يُمكِنُ أنْ يَدخُلَ منهم أحدٌ النَّارَ، ولذلك زَجَرَهَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّ ظاهرَ جَوابِها أنَّها تَرُدُّ الخبَرَ، ولمُعارضتِها كَلامَه، وانتهارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لها تَأديبٌ لها، وزَجرٌ لها عن المبادَرةِ بالمعارَضةِ وتَركِ الحُرمةِ، ولَمَّا حَصَل الإنكارُ عليها صَرَّحَت بالاعتذارِ، فأبانَتْ أنَّها لا تَرُدُّ الخبَرَ، ولكنَّها فَهِمَت ذلك مِن قولِه تعالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71]، أي: وما منكم إلَّا مارٌّ بها أو حاضِرُها، وكانَتْ حَفْصَةُ ظَنَّتْ أنَّ مَعْنَى {وَارِدُهَا}: دَاخِلُها، وكأنَّها رَجَّحَت عُمومَ لَفظِ القرآنِ، فتَمسَّكَت به، فوَضَّحَ لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الآيةَ الَّتي بَعْدها تُبيِّنُ المقصودَ؛ فقَدْ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرَ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72]، أي: إذا مَرَّ الخلائقُ كلُّهم على النَّارِ، وَسَقَطَ فيها مَن سَقطَ مِنَ الكفَّارِ وَالعُصاةِ ذَوي الْمَعاصي؛ نَجَّى اللهُ تعالَى المؤمنينَ المتَّقِينَ منها بِحَسَبِ أَعمالِهم؛ فجَوازُهم على الصِّراطِ وسُرعَتُهم بِقَدْرِ أعمالِهمُ الَّتي كانتْ في الدُّنيا، وبهذا بيَّنَ لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المعنى الصَّحيحَ، وأنَّ المرادَ بالورودِ في الآيةِ ليْس دُخولَها، وإنَّما هو المرورُ والعبورُ على الصِّراطِ، وهو جِسرٌ مَنصوبٌ على جَهنَّمَ، فيَقَعُ فيها أهْلُها ممَّن ظَلَم ولم يُؤمِنْ باللهِ ورُسلِه، ويَنْجو الآخَرون الَّذين اتَّقَوا وآمَنُوا باللهِ ورُسلِه.
وفي الحديثِ: فَضلُ ومنقبة لأصحابِ الشَّجرةِ أهلِ بَيعةِ الرِّضوانِ رَضيَ اللهُ عنهم.
وفيه: دَليلٌ على الْمُناظرَةِ في العِلْمِ.