باب فضل الجوع وخشونة العيش 8
بطاقات دعوية
وعن خالد بن عُمَيْر العَدَوِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا عُتْبَةُ بنُ غَزْوَانَ، وَكَانَ أمِيرًا عَلَى البَصْرَةِ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أنَّ الحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا، لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا، وَاللهِ لَتُمْلأَنَّ أَفَعَجِبْتُمْ؟! وَلَقدْ ذُكِرَ لَنَا أنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسيرَةُ أرْبَعِينَ عَامًا، وَليَأتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ، وَلَقَدْ رَأيْتُنِي سَابعَ سَبْعَةٍ مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى قَرِحَتْ أشْدَاقُنَا، فَالتَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا، وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا، فَمَا أصْبَحَ اليَوْمَ مِنَّا أحَدٌ إِلاَّ أَصْبَحَ أمِيرًا عَلَى مِصرٍ مِنَ الأَمْصَارِ، وَإنِّي أعُوذُ بِاللهِ أَنْ أكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا، وَعِنْدَ اللهِ صَغِيرًا. رواه مسلم. (1)
قَوْله: «آذَنَتْ» هُوَ بِمَدّ الألف، أيْ: أعْلَمَتْ. وَقَوْلُه: «بِصُرْم» هُوَ بضم الصاد، أيْ: بِانْقِطَاعِهَا وَفَنَائِهَا. وَقوله: «ووَلَّتْ حَذَّاءَ» هُوَ بحاءٍ مهملة مفتوحة، ثُمَّ ذال معجمة مشدّدة، ثُمَّ ألف ممدودة، أيْ: سريعة. وَ «الصُّبَابَةُ» بضم الصاد المهملة وهي: البَقِيَّةُ اليَسِيرَةُ. وَقَوْلُهُ: «يَتَصَابُّهَا» هُوَ بتشديد الباء قبل الهاء، أيْ: يجمعها. وَ «الْكَظِيظُ»: الكثير الممتلىءُ. وَقَوْلُه: «قَرِحَتْ» هُوَ بفتح القاف وكسر الراء، أيْ صارت فِيهَا قُروح.