باب فضل الزهدفي الدنيا 20
بطاقات دعوية
وعن عبد الله بن الشخير - بكسر الشين والخاء المعجمتين - - رضي الله عنه - ، أنه قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يقرأ : { ألهاكم التكاثر } قال : (( يقول ابن آدم : مالي ، مالي ، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟! )) رواه مسلم .
المؤمنُ الفطِنُ هو الَّذي جَعَل مِن دُنياهُ إعمارًا لآخِرتِه، وعَمِل في مالِه لِما بعْدَ مَوتِه، والغافلُ مَن خَدَعه مالُه وأُشرِبَ حُبَّه في قَلبِه، وجَمَعه وعَدَّده، واكتَنَزَه ولم يُخرِجْ زَكاتَه، ولم يَشكُرْ نِعمةَ ربِّه؛ فلمْ يُعطِ الفقراءَ والمساكينَ ما فرَضَه اللهُ لهُم فيه، فعليْه جَزاءُ كَسبِه وعِقابُ عدَمِ أداءِ حقِّه كما أمَرَه اللهُ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يَقولُ العَبدُ» وفي رِوايةٍ أُخرى لمسْلمٍ: «يقولُ ابنُ آدَمَ»: «مَالي مالي»، أي: مالي كذا، مالِي كذا، والمعنى: يَعُدُّه افتخارًا، أو لمْ يَعرِفِ المقصودَ مِن المالِ، ولا ما يَترتَّبُ عليه، ثُمَّ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الَّذي يَحصُلُ له مِن مالِه ثَلاثُ مَنافعَ مُحدَّدةٍ ومَحصورةٍ فيه، لكنَّ واحدةً منها هي المنفعةُ الباقيةُ، وأنَّ غيرَها مِن المنافِع فانيةٌ وَزائلةٌ لا يَبْقى لِصاحبِها منها شَيءٌ، والمنفَعةُ الأُولَى هِي «ما أَكَلَ» وهو ما أنفَقَ في سَبيلِ أكْلِه وشُربِه وغِذاءِ بَدنِه، فهو ذاهبٌ بالأكلِ، والمنفَعَةُ الثَّانيةُ: ما لَبِسَ منَ الثِّيابِ فَأَبْلى، أَي: أصبح قديما، أمَّا المَنفعةُ الثَّالثةُ الباقيةُ فَهِيَ قَولُه: «أو أَعْطَى للهِ تَعالى فَاقْتَنَى»، أي: تَصدَّقَ به فَادَّخرَ ثَوابَه للآخرةِ
وما عَدا المنافعَ الثَّلاثَ الَّتي ذُكِرت كالمالِ المُدَّخَرِ بلا صَرفٍ ولا إنفاقٍ في وُجوهِ الخيرِ، أو المرادُ ما عدا ذلك مِن المالِ، مِثلِ المَواشي، والعَقارِ، والخدَمِ، والجواهرِ؛ فالعَبدُ «ذاهبٌ» عَنه بالموتِ «وتارِكُه للنَّاسِ» الوَرثة أو غَيرهم، بِلا فائدةٍ راجِعةٍ إِليه، مَع ما فيه مِن المُحاسبَةِ والمُعاقَبَةِ عَليه
وهذا تَوجيهٌ إلى أنَّ مالَ الإنسانِ الحقيقيَّ هو الَّذي انتفَعَ به في حَياتِه؛ إمَّا بما يَعودُ نفْعُه إليه حالًا، كالأكلِ، والشُّربِ، واللِّباسِ، أو مآلًا، كالتَّصدُّقِ به، وصِلةِ الرَّحمِ، وسائرِ وُجوهِ البِرِّ، وأمَّا ما عَدا ذلكَ فهو لِوَرثتِه، لا يَنالُه منه شَيءٌ، بلْ إنَّما يَلحَقُه تَبِعاتُه؛ فيُحاسَبُ إنْ كان حَلالًا، مِن أيْن اكتَسَبه، وفِيمَ أنفَقَه؟ ويُعاقَبُ إنْ كان حَرامًا، فالواجبُ على العاقلِ أنْ يَتنبَّهَ؛ فإنَّ النَّدمَ بعْدَ فَواتِ الوقتِ هو عَينُ الخُسرانِ
وفي حديثِ الصَّحيحينِ عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يَتبَعُ الميِّتَ ثَلاثةٌ، فيَرجِعُ اثنانِ ويَبْقى واحدٌ؛ يَتْبَعُه أهلُه ومالُه وعَملُه، فيَرجِعُ أهلُه ومالُه، ويَبْقى عَملُه»، ومَعنى بَقاءِ عَملِه: أنَّه يَدخُلُ معه القبرَ، فما قَدَّمَه مِن العملِ الصَّالحِ أو الطَّالحِ فهو الَّذي يُحاسَبُ عليه، ومِن ذلكَ ما عَمِله بمالِه، وما أنفَقَه