باب فضل الصف المقدم 4
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن المصفى الحمصي، حدثنا أنس بن عياض، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول" (2).
أعمالُ الجَوارحِ دَليلٌ على ما في القَلبِ؛ فإذا اختلفَتِ الصُّفوفُ دلَّ ذلك على اختِلافِ القلوبِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحُثُّنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على تَسْويةِ الصُّفوفِ في صَلاةِ الجَماعَةِ، فيقولُ: "سَوُوا صُفوفَكُمْ"، أي: اجْعَلوها مُعْتَدِلَةً مُتَراصَّةً على هَيئةٍ واحدةٍ لا اعْوِجاجَ فيها، "وحاذوا بين مَناكِبِكم" جمْع مَنْكِب: وهو مُلْتَقَى عَظْمِ العَضُدِ مع الكَتِفِ، والمعنى: اجْعَلوها مُتَساوِيَةً مع بَعضِها البعضِ، "ولِينُوا في أَيْدِي إخْوانِكُم"، أي: لِينوا بيَدِ مَنْ أرادَ أنْ يَضْبِطَ بكُم الصَّفَّ ويُسوِّيَه؛ فلا يتَشدَّدْ معه أو يَمْنعْهُ أَحَدٌ نَفْسَهُ أنْ يُسوِّيَ له الصَّفَّ، "وسُدُّوا الخَلَلَ"، أي: سُدُّوا أيَّ فَتْحةٍ ومَسافةٍ بين المُصلِّينَ بأنْ يُلْصِقَ كُلُّ واحدٍ مَنْكِبَه بمَنْكِبِ أخيه في الصَّلاةِ في غيرِ شِدَّةٍ؛ "فإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ فيما بيْنكم، بِمَنْزِلَةِ الحَذَفِ -يعني أوْلادَ الضَّأْنِ الصِّغارَ-"، أي: إنَّ عدمَ تَسْويةِ الصُّفوفِ يَجْعلُ الشَّياطينَ تَدْخُلُ بين المسلمين؛ فتُوَسْوِسُ لهم وتُشَوِّشُ عليهم صَلاتَهُم. والحَذَفُ كما فُسِّرَ في الحديثِ: غَنَمٌ سُودٌ صِغارٌ، والمراد: أنَّ الشَّياطينَ تَدْخُلُ بين الصُّفوفِ على صُورَتِها؛ فمِن الخَطأِ تَرْكُ المصلِّينَ فُرجةً بينهم بحُجَّةِ عدَمِ التَّضييقِ على الآخَرِينَ، وتَضايقُهم إذا حاوَلَ أحدُ المصلِّين التراصَّ في الصفِّ( ).