باب فضل مكة وبنيانها
بطاقات دعوية
عن الأسود بن يزيد وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: (وفي رواية عنه: قال لي ابن الزبير: كانت عائشة تسر إليك كثيرا، فما حدثتك في الكعبة؟ قلت: قالت لي: 1/ 40) سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجدر (25) أمن البيت هو؟
قال: "نعم". قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال:
" [ألم تري] أن قومك [لما بنوا الكعبة] قصرت بهم النفقة". قلت: فما شأن بابه مرتفعا؟ قال:
"فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا". [فقلت: يا رسول الله! ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال:]
" لولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية [قال ابن الزبير: بكفر] فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض [لفعلت]، (وفي طريق: لأمرت بالبيت فهدم، [ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام]، فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين، بابا شرقيا، وبابا (وفي رواية: خلفا [258 - يعني بابا]) غربيا، فبلغت به أساس إبراهيم". فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه). [فقال عبد الله [بن عمر 5/ 150] رضي الله عنه: لئن كانت عائشة رضي الله عنها سمعت هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ما أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر (2) إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم].
قال يزيد (ابن رومان:) وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه، وأدخل فيه من الحجر، وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل. قال جرير: فقلت له: أين موضعه؟ قال: أريكه الآن، فدخلت معه الحجر، فأشار إلى مكان، فقال :ههنا. قال جرير: فحزرت (26) من الحجر ستة أذرع، أو نحوها
الكَعبةُ هي بَيتُ اللهِ في الأرضِ، وقِبلةُ المسلمينَ، وقد عظَّمَ اللهُ قَدْرَها بيْن الناسِ، حيثُ جَعَلَها مَهوَى القُلوبِ ومَقصدًا للحجِّ.وفي هذا الحديثِ يَرْوي التابعيُّ الأسودُ بنُ يَزيدَ النَّخَعيُّ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ الزُّبيرِ رَضيَ اللهُ عنهما قال له: إنَّ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها كانت تَخُصُّك ببَعضِ حَديثِها، وسَألَه عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه عن حَديثِها معه الذي كان في شَأنِ الكَعبةِ، فذَكَرَ لعَبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّها حدَّثَتْه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَسألةِ هَدْمِ الكعبةِ، حيثُ إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُريدُ هَدْمَها، فيَجعَلُ لها بابينِ، بابٌ يَدخُلُ منه النَّاسُ، وبابٌ يَخرُجون منه، ولكنَّه لم يَفعَلْ ذلك؛ لأنَّ قُريشًا كانت تُعظِّمُ أمرَ الكعبةِ جِدًّا، فخَشِيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَظُنُّوا -لأجْلِ قُربِ عَهْدِهم بتَرْكِ الكفْرِ ودُخولِهم في الإسلامِ- أنَّه غيَّرَ بِناءَها ليَنفرِدَ بالفخرِ عليهم في ذلك.وهذا التَّغييرُ فعَلَه ابنُ الزُّبير رَضيَ اللهُ عنهما، يعني بَنى الكَعبةَ على ما أرادَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجاء الحَجَّاجُ فرَدَّها كما كانت، وترَكَها مَن بعدَه؛ خَشيةَ أنْ يَتلاعَبَ النَّاسُ بالكَعبةِ، فيَكثُرَ هَدْمُها وبُنيانُها، فتَذهَبَ هَيبتُها مِن صُدورِ النَّاسِ.
وفي الحديثِ: ترْكُ المَصلحةِ لأمْنِ الوُقوعِ في المفسَدةِ.
وفيه: تَرْكُ إنكارِ المنكَرِ خَشيةَ الوقوعِ في أنكَرَ منه.
وفيه: أنَّ الإمامَ يَسُوسُ رَعيَّتَه بما فيه إصلاحُهم ولو كان مَفضولًا، ما لم يكُنْ مُحرَّمًا.
وفيه: تَأليفُ وَليِّ الأمرِ قُلوبَ رَعيَّتِه؛ لئلَّا يَنفِروا، ولا يَتعرَّضُ لِما يُخافُ أنْ يَنفِروا بسَببِه، ما لم يكُنْ فيه تَرْكُ أمرٍ شَرعيٍّ.