باب فى إماطة الأذى عن الطريق
حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبى صالح عن أبى هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال « نزع رجل لم يعمل خيرا قط غصن شوك عن الطريق إما كان فى شجرة فقطعه وألقاه وإما كان موضوعا فأماطه فشكر الله له بها فأدخله الجنة ».
طاعة الله عز وجل والقيام بأوامره سبب نيل الدرجات العليا في الدنيا والآخرة، وأعمال الطاعة والعبادة متنوعة ومتعددة، وهمم الناس في الإقبال عليها متفاوتة، ومن ثم كانت أجور العباد ودرجاتهم متفاوتة عند الله عز وجل
وفي هذا الحديث يحث النبي صلى الله عليه وسلم على جملة من أعمال البر، ويبين أنواع الشهداء، فبدأ صلى الله عليه وسلم بالحث على إماطة الأذى عن الطريق، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل كان يسير في الطريق فوجد غصن شوك يؤذي الناس، سواء أكان هذا الغصن في الشجرة من فوق يؤذيهم من عند رؤوسهم، أو من أسفل يؤذيهم من جهة أرجلهم، فأزاله ليكف أذاه عنهم، فتقبل الله منه وأثنى عليه، فكان جزاؤه أن غفر له ذنوبه على إزالته الشوك من الطريق. ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواع الشهداء الذين لهم أجر الشهيد وثوابه، وقيل: سمي الشهيد بهذا الاسم؛ لأن الملائكة يشهدون موته، فكان مشهودا، وقيل: مشهود له بالجنة، وقيل: لأنه حي عند الله حاضر، وقيل: لأنه شهد ما أعد الله له من الكرامات. فذكر صلى الله عليه وسلم هنا خمسة أنواع من الشهداء؛ أحدهم: المطعون، وهو الذي يموت في الطاعون، وهو الوباء العام، والثاني هو: المبطون، وهو من مات بداء البطن، وهو الإسهال، وقيل: هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن، وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقا، والثالث: الغريق، وهو من يموت غرقا في الماء، والرابع: صاحب الهدم، وهو الذي مات تحت الهدم، والهدم اسم لما يقع، كالجدار ونحوه. والخامس: القتيل في سبيل الله تعالى، وهو من مات من المسلمين في جهاد الكفار بأي سبب من أسباب قتالهم قبل انقضاء الحرب، وهذا هو شهيد الدنيا والآخرة، وهو الذي لا يغسل ولا يكفن بغير ثيابه التي قتل فيها ولا يصلى عليه، بخلاف الأربعة السابقة، فإنهم شهداء في الآخرة فقط، لهم من الثواب كثواب الشهيد، وأما في الدنيا فيغسلون ويكفنون ويصلى عليهم كسائر أموات المسلمين. وإنما كانت هذه الموتات شهادة تفضلا من الله تعالى؛ بسبب شدتها، وكثرة ألمها.وقد ذكرت روايات أخرى أنواعا أخرى من الشهداء غير الخمسة المذكورين، كما في الصحيحين: «من قتل دون ماله فهو شهيد»، وكما في سنن الترمذي: «من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد»، وغير ذلك، فدل هذا على أن العدد المذكور في هذا الحديث لا يفيد الحصر، والاختلاف في العدد بحسب اختلاف الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، فكأن الوحي نزل عليه تباعا، في كل مرة يخبره ببعض أنواع الشهداء.ثم بين صلى الله عليه وسلم فضل التأذين للصلاة، وفضل الصف الأول، والتبكير إلى الصلاة، وأداء صلاتي العشاء والفجر في جماعة، فذكر أنه لو يعلم الناس فضل وأجر التأذين للصلاة، ولو يعلمون ما في الوقوف في الصف الأول الذي يلي الإمام من ثواب، ثم لم يجدوا وسيلة للوصول إلى ذلك إلا أن يقترعوا عليه؛ لاقترعوا؛ لما فيهما من الثواب الجزيل والأجر الكبير. ثم حث صلى الله عليه وسلم على التبكير إلى الصلاة، فذكر أن الناس لو علموا ما في التبكير إلى الصلاة -أي صلاة كانت- من الثواب والفضل؛ لاستبقوا إليه. وكذا لو يعلم الناس ما في أداء صلاة العتمة -وهي صلاة العشاء- وصلاة الصبح في جماعة من ثواب وأجر؛ لأتوهما ولو كان الإتيان إليهما حبوا وزحفا على الأيدي والأرجل والبطون.وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء هنا باسم «العتمة»، وورد عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن تسمية العشاء بالعتمة، كما في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، هي العشاء، ألا إنهم يعتمون بالإبل»، فقيل في ذلك: إن هذا النهي الوارد للتنزيه وليس للتحريم، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم هنا لمصلحة، وهي: أنهم كانوا يسمون صلاة المغرب بالعشاء، وصلاة العشاء بالعتمة تسمية لها بالوقت، فاقتضى ذلك التوضيح بلسانهم أحيانا؛ لكيلا يختلط الأمر بالنسبة لهم ويفسد المعنى الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم لبيان عدم الحرج في ذكرها لكنه خلاف الأولى
وفي الحديث: فضيلة إماطة الأذى عن الطريق، وهي أدنى شعب الإيمان
وفيه: فضيلة التأذين والسبق إلى الصف الأول.وفيه: فضيلة التبكير إلى الصلاة
وفيه: فضيلة صلاة العشاء والفجر