باب فى الاستعاذة
حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا مكى بن إبراهيم حدثنى عبد الله بن سعيد عن صيفى مولى أفلح مولى أبى أيوب عن أبى اليسر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو « اللهم إنى أعوذ بك من الهدم وأعوذ بك من التردى وأعوذ بك من الغرق والحرق والهرم وأعوذ بك أن يتخبطنى الشيطان عند الموت وأعوذ بك أن أموت فى سبيلك مدبرا وأعوذ بك أن أموت لديغا ».
العافية نعمة عظيمة، وهي من أفضل ما يعطاه العبد بعد الإسلام؛ لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفتن والمصائب والجوائح التي تفسد الدين والدنيا
كما في هذا الحديث، حيث يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ربه قائلا: «اللهم إني أعوذ بك من الهدم»، أي: ألجأ إليك وأستجير بك من سقوط البناء ونحوه على الإنسان، «وأعوذ بك من التردي» والتردي هو السقوط من مكان عال؛ كالجبل والسطح وما أشبه ذلك، «وأعوذ بك من الغرق» بالماء، «والحرق» بالنار، «والهرم»، أي: طول العمر الذي يؤدي إلى الخرف وأرذل العمر
«وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت»، والمعنى: أعوذ بك أن يمسني الشيطان عند الموت بنزغاته التي تزل بها الأقدام، وتصارع العقول والأحلام؛ وذلك لأن الشيطان-كما قيل- لا يكون في حال أشد على ابن آدم منه مثل ما هو في حال الموت، وإلا فإن على المسلم أن يستعيذ بالله من الشيطان وأعوانه في كل وقت
«وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا»، أي: فارا من الزحف في القتال، «وأعوذ بك أن أموت لديغا» من لدغ العقارب والحيات ونحوها
قيل: وإنما استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأشياء لأنها تقع بغتة، ولا يكون الإنسان قد قرر أموره من الوصية، وما عليه من الحقوق، ولأنها- وإن كان في بعضها أجر الشهادة- مجهدة مقلقة لا يكاد الإنسان يصبر عليها ويثبت عندها، وقد ينتهز الشيطان منه فرصة فيحمله علي ما يخل بدينه، ولعله صلى الله عليه وسلم استعاذ منها؛ لأنها في الظاهر مصائب ومحن وبلاء، وأما ترتب ثواب الشهادة عليها؛ فللتنبيه على أن الله جل وعلا يثيب المؤمن على المصائب
وبعض هذه الأمور قالها النبي صلى الله عليه وسلم تعليما للأمة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم معصوم من الفرار، وكذا من تخبط الشيطان وغير ذلك من الأمراض المشوهة للخلق
وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الغم، وهو الهم الشديد الذي يغم النفس ويحزنها