باب فى التجارة يخالطها الحلف واللغو
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبى وائل عن قيس بن أبى غرزة قال كنا فى عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نسمى السماسرة فمر بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمانا باسم هو أحسن منه فقال « يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة ».
على المسلم الذي يمارس البيع والشراء أن يحذر من الحلف والكذب الذي ربما يكون سببا في كثرة الإثم الذي يكتب على صاحبه
وفي هذا الحديث: يقول قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه: "كنا بالمدينة نبيع الأوساق ونبتاعها"، أي: يبيعون مكاييل تسمى الأوساق ثم يشترونها، وقيل: يحتمل أن يكون المراد بيعهم ما يكال بتلك الأوساق من الحبوب؛ كالحنطة والشعير ونحو ذلك، والوسق: مكيال يسع ستين صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، والصاع أربعة أمداد، والمد مقدار ما يملأ الكفين المعتدلين، "وكنا نسمي أنفسنا السماسرة، ويسمينا الناس"، أي: يطلقون على من يمارس هذا النوع من البيع: السماسرة، وهو: اسم للمتوسط بين البائع والمشتري لإمضاء البيع، "فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فسمانا باسم هو خير من الذي سمينا أنفسنا"، قيل: وإنما غير النبي صلى الله عليه وسلم هذا لفظ السماسرة إلى التجار، وإن كانا اللفظان عبارة عن التصرف في رأس المال طلبا للربح؛ لأن السماسرة لفظة أعجمية تلقوها عن البائعين العجم؛ فغيره إلى التجارة التي هي من الأسماء العربية، ولأن المتوسط بين البائع والمشتري يكون تابعا وقد يميل عن الأمانة والديانة، بخلاف التجار فإنهم مصاحبون لهم مع شمول التجار التابعين أيضا، والتجارة أيضا قد ذكرت في مقام المدح في مواطن من القرآن، كما في قوله تعالى: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} [الصف: 10]، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير بعض الأسماء المستهجنة إلى أسماء حسنة، وما اختاره النبي للناس هو أفضل مما اختاروه لأنفسهم، "وسمانا الناس"، أي: وعلى تلك التسمية التي سمانا بها النبي صلى الله عليه وسلم اتبعه الناس فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر التجار، إنه يشهد بيعكم الحلف والكذب"، أي: إن مثل هذا البيع يقع فيه كثرة الحلف، وربما وقع التاجر بهذا الحلف في الكذب؛ لتحسين سلعته عند المشتري، "فشوبوه"، أي: اخلطوه، "بالصدقة"، والمراد: أن ثواب الصدقة وأجرها يمحى به ما يقع في التجارة من آثام الحلف والكذب، والمراد بها صدقة غير معينة، حسب تضاعيف الآثام، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة المعلومة في الحلف بعينها؛ لأنه قد ورد عنه في رواية أخرى: "يخالطها اللغو والكذب"؛ حيث جاء اللغو فيها موضع الحلف؛ فأفاد أن المقصود أنها أيمان لغو لا كفارة فيها، وأما الصدقة المقدرة التي هي زكاة التجارة- وهي ربع العشر- فهي واجبة عند تمام الحول، وليست مقصودة هنا في هذا الحديث