باب فى الرجل يأكل من مال ولده

باب فى الرجل يأكل من مال ولده

 حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبى -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله إن لى مالا وولدا وإن والدى يجتاح

مالى. قال « أنت ومالك لوالدك إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم ».

للوالد حق عظيم على أولاده، ومعرفة حقوقه والقيام بها من أعظم الأعمال الصالحة بعد التوحيد، وفي هذا الحديث يحكي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي اجتاح مالي"، أي: أخذه بدون إذني يريد أن يستأصله ويأتي عليه، "فقال: أنت ومالك لأبيك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من أموالهم"، والمعنى: أن يد الوالد مبسوطة في مال ولده يأخذ منه ما شاء، وقيل: معنى هذا: أن الرجل مشارك لولده في ماله؛ فله الأكل منه، سواء أذن الولد أو لم يأذن، وله أيضا أن يتصرف به كما يتصرف بماله ما دام محتاجا، ولم يكن ذلك على وجه السرف والسفه، ويمكن أن يكون ما ذكره السائل من اجتياح والده ماله إنما هو بسبب النفقة عليه، وأن ما يحتاج إليه منها كثير، لا يسعه مال الولد إلا بأن يجتاح أصله، فلم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرخص له في ترك النفقة، وقال له: "أنت ومالك لأبيك" على معنى: أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منك قدر الحاجة كما يأخذ من مال نفسه، فأما أن يكون أراد به إباحة ماله حتى يجتاحه ويأتي عليه فلا، واللام في "لأبيك" لام الإباحة لا لام التمليك؛ فإن مال الولد له، وزكاته عليه، وهو موروث عنه، وقد جعل الله تعالى لكل من الأب والابن ذمة مالية مستقلة؛ بدليل أن الابن لا يخرج الزكاة عن والده، ولا الأب عن ابنه، وأن الأب يرث من ابنه نصيبا مفروضا، ولو كان المال له لوجب أن يأخذه كله ولا يقتصر على هذا القدر
فعلى هذا، لا يملك الأب مال ابنه على وجه الحقيقة، وليس له التصرف فيه كيفما يشاء دون علم الولد ورضاه، ويكون معنى الحديث: أنه إذا احتاج الأب إلى مال الولد للنفقة بأن كان فقيرا، أخذ منه قدر الحاجة كما يأخذ من مال نفسه، وإذا لم يكن للابن مال وكان قادرا على الكسب، لزم الابن أن يكتسب وينفق على أبيه، وليس المراد بالحديث إباحة مال الابن على إطلاقه للأب أن يأخذ منه ما يشاء، ويؤكد مثل هذا الجواب ما رواه الحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أولادكم هبة الله لكم {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} [الشورى: 49]؛ فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها"؛ فقيد هذا الأمر بقوله: "إذا احتجتم إليها"، فظهر أنه المعنى ليس على التمليك، ولكنه على البر به والإكرام
وفي الحديث: حث الأبناء على إكرام الوالدين وإعطائهما من أموالهم ما يحتاجان إليه