باب فى السلف
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة ح وحدثنا ابن كثير أخبرنا شعبة أخبرنى محمد أو عبد الله بن مجالد قال اختلف عبد الله بن شداد وأبو بردة فى السلف فبعثونى إلى ابن أبى أوفى فسألته فقال إن كنا نسلف على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبى بكر وعمر فى الحنطة والشعير والتمر والزبيب - زاد ابن كثير - إلى قوم ما هو عندهم. ثم اتفقا وسألت ابن أبزى فقال مثل ذلك.
كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حريصا على أن يطبق أحكام الإسلام في كل أركان الدولة؛ ولذلك كان يسأل الولاة عن أحوالهم وكيف يتصرفون في المواقف المختلفة، ويصوب لهم الخطأ ويحاسبهم عليه، وكان يرفع أهل العلم بالقرآن والسنة والأحكام الشرعية؛ امتثالا لمبادئ الشريعة الغراء
وفي هذا الحديث يخبر عامر بن واثلة رضي الله عنه أن الصحابي نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه، وهو ممن أسلم في الفتح، وأقره عمر رضي الله عنه وهو في خلافته واليا وأميرا على مكة، وأقام بها إلى أن مات، وقد لقي نافع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان نازلا في طريق الحج بعسفان، واستدعاه لمقابلته، فقابله بعسفان -وهي قرية على مسافة 80 كم من مكة شمالا على طريق المدينة- فلما قابله، سأله عمر رضي الله عنه: من استخلفت مكانك على أهل مكة مدة غيابك للقاء أمير المؤمنين؟ والمراد بالوادي وادي مكة والطائف، فأخبره أنه جعل عليهم عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه مولى نافع بن الحارث، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وسكن الكوفة، واستعمله علي بن أبي طالب رضي الله عنه على خراسان. والمولى: اسم يطلق على المعتق والذي حرر من الرق، وهو المقصود هنا
فقال له عمر مستنكرا: «فاستخلفت عليهم مولى؟!»، أي: استخلفت على أهل مكة أهل البلد الحرام وأهل الشرف والرفعة مولى؟! قيل: ليس إنكار عمر رضي الله عنه توليته عليهم استخفافا به، واحتقارا له، وإنما أنكر فوات غرض التولية؛ وذلك أن المقصود من التولية ضبط أمور الناس وسياستهم، وهذا يحتاج أن يكون المولى عليهم رجلا مهابا، له عظمة وشرف في قلوب العامة؛ وذلك أن يكون حرا نسيبا ذا وجاهة، وإلا استخفوا به ولم يطيعوه، فيفوت بذلك غرض الولاية
فقال نافع رضي الله عنه مبينا سبب توليته عليهم: «إنه قارئ لكتاب الله عز وجل»، أي: حافظ له عالم بحدوده، «وإنه عالم بالفرائض»، أي: بقسمة المواريث على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والمعنى أن هذا الأمير رفعه الله تعالى عليهم بهذه الأمور، وهم يعرفون منه ذلك، فيحترمونه، ويعظمونه، ويطيعون أمره، فتستقيم أمورهم، وتستقر أحوالهم، ولذلك قال عمر رضي الله عنه حينئذ مستحسنا لما سمع من وصف ابن أبزى، ومقرا لفعل نافع بن الحارث رضي الله عنه: «أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب» وهو القرآن الكريم، »أقواما» فيرفع الله به من آمن به ومن قرأه وعمل بمقتضاه مخلصا، فيرفعهم في الدنيا بأن يحييهم حياة طيبة، وفي الآخرة بأن يجعلهم من أهل الدرجات العلا مع الذين أنعم عليهم، «ويضع به» قدر »آخرين» وهم الذين لم يؤمنوا به، أو آمنوا ولكنهم أضاعوه وتركوا العمل بما فيه، فيجعلهم في الدنيا في شقاء وضنك من العيش، وفي الآخرة في أسفل سافلين
وفي الحديث: تولية المولى على الأحرار إذا كان فقيها عالما بالفرائض
وفيه: أن العلم والقرآن يجبران نقص النسب
وفيه: فضيلة العلم
وفيه: ما كان عليه عمر رضي الله عنه من متابعة أمرائه في سياستهم لرعيتهم؛ لئلا يضيعوا حقوقهم، فيكون هو المسؤول عن ذلك؛ لأنه الراعي الأول
وفيه: فضل علم المواريث وشرفه؛ فإنه العلم الذي أعلى الله تعالى قدره، حيث تولى بنفسه قسمته في كتابه العزيز، ولم يكله إلى أحد