باب فى قوله (غير أولى الإربة )

باب فى قوله (غير أولى الإربة )

حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهرى وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت كان يدخل على أزواج النبى -صلى الله عليه وسلم- مخنث فكانوا يعدونه من غير أولى الإربة فدخل علينا النبى -صلى الله عليه وسلم- يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان. فقال النبى -صلى الله عليه وسلم- « ألا أرى هذا يعلم ما ها هنا لا يدخلن عليكن هذا ». فحجبوه فقيل يا رسول الله إنه إذا يموت من الجوع فأذن له أن يدخل فى كل جمعة مرتين فيسأل ثم يرجع.

قوله : ( مخنث ) بفتح النون وكسرها والفتح المشهور : وهو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته ويتثنى فيها كالنساء ، وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعا من الفسقة ، ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء ، ولذلك كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يعددن هذا المخنث من غير أولي الإربة ، وكن لا يحجبنه إلا إن ظهر منه ما ظهر من هذا الكلام

واختلف في اسمه ، فقال القاضي : الأشهر أن اسمه هيت بكسر الهاء ثم تحتية ساكنة ثم فوقية ، وقيل : صوابه هنب بالنون والباء الموحدة قاله ابن درستويه ، وقال : إن ما سواه تصحيف وإنه الأحمق المعروف ، وقيل : اسمه ماتع بالمثناة فوق : مولى فاختة المخزومية بنت عمرو بن عائذ . قوله : ( تقبل بأربع وتدبر بثمان ) المراد بالأربع هي العكن جمع عكنة ، وهي الطية التي تكون في البطن من كثرة السمن ، يقال : تعكن البطن : إذا صار ذلك فيه ، ولكل عكنة طرفان ، فإذا رآهن الرائي من جهة البطن وجدهن أربعا وإذا رآهن من جهة الظهر وجدهن ثمانيا وقال ابن حبيب عن مالك : معناه أن أعكانها ينعطف بعضها على بعض ، وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطارفها إلى خاصرتها ،  وفي كل جانب أربع ، قال الحافظ : وتفسير مالك المذكور تبعه فيه الجمهور وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء ، وجرت عادة الرجال في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة

وقيل : الأربع هي الشعب التي هي اليدان والرجلان ، والثمان : الكتفان والمتنتان والأليتان والساقان ، ولا يخفى ضعف ذلك لأن كل امرأة فيها ما ذكر فلا وجه لجعله من صفات المدح المقصودة في المقام قوله : ( هؤلاء ) إشارة إلى جميع المخنثين وروى البيهقي أنه كان المخنثون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة : مانع ، وهدم وهيت

قوله : ( من غير أولي الإربة ) الإربة والإرب : الحاجة والشهوة . قيل : ويحتمل أنهم التابعون الذين يتبعون الرجل ليصيبوا من طعامه ولا حاجة لهم إلى النساء لكبر أو تخنيث أو عنة . قوله : ( أرى هذا . . . إلخ ) بفتح الهمزة والراء قال القرطبي : هذا يدل أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئا من أحوال النساء ولا يخطر له ببال ، ويشبه أن التخنيث كان فيه خلقة وطبيعة ولم يعرف منه إلا ذلك ، ولهذا كانوا يعدونه من غير أولي الإربة قوله : ( وأخرجه ) لفظ البخاري : { أخرجوهم من بيوتكم قال : فأخرج فلانا وفلانا } ورواه البيهقي وزاد " وأخرج عمر مخنثا " وفي رواية " وأخرج أبو بكر آخر "

قال العلماء : إخراج المخنث ونفيه كان لثلاثة معان : أحدها : أنه كان يظن أنه من غير أولي الإربة ثم لما وقع منه ذلك الكلام زال الظن والثاني : وصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال ، وقد نهي أن يصف المرأة زوجها فكيف إذا وصفها غيره من الرجال لسائرهم ؟ الثالث : أنه ظهر له منه أنه كان يطلع النساء وأجسامهن وعوراتهن على ما لا يطلع عليه كثير من النساء

قوله : ( فيسأل ثم يرجع ) أي يسأل الناس شيئا ثم يرجع إلى البادية ، والبيداء بالمد : القفر ، وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها أي تكاد تهلكه وفي ذلك دليل جواز العقوبة بالإخراج من الوطن لما يخاف من الفساد والفسق ، وجواز الإذن بالدخول في بعض الأوقات للحاجة