‌‌باب: في اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله تعالى: (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)

مخصر صحيح مسلم

‌‌باب: في اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله تعالى: (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصحابه شيء فخطب فقال عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قال فما أتى على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أشد منه قال غطوا رءوسهم ولهم خنين قال فقام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا قال فقام ذلك (1) الرجل فقال من أبي قال أبوك فلان فنزلت هذه الآية (2) (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم). (م 7/ 92)

لقدْ أمَر الشَّرعُ بفِعلِ ما في الاستطاعةِ مِن الأوامرِ الشَّرعيةِ، والاجتنابِ التَّامِّ للنَّواهي، وأمَرَ بالوقوفِ عندَ تَوْجيهاتِ اللهِ ورَسولِه، وعدَمِ تَخطِّيها، ونهَى عن كَثرةِ السُّؤالِ، وكذلك الابتداءُ بالسُّؤالِ عمَّا لا يقَعُ؛ حتى لا يتسَبَّبَ في حرَجٍ أو ضِيقٍ أو مَشَقَّةٍ عليه أو على غيرِه، أو فضيحةٍ وخِزْيٍ لنَفْسِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّه كان قومٌ يَسألون رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَبيل السُّخْريةِ والاستهزاءِ، فيَسأَلُ الرَّجُلُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَنْ أَبِي؟» ويَسأَلُ الرَّجلُ الذي قدْ ضلَّت ناقتُه: «أيْن ناقَتي؟» فأنْزَلَ اللهُ فيهم هذه الآيةَ مُحَذِّرًا إيَّاهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: 101]، ومعنى الآيةِ: لا تَسأَلوا عن أشياءَ لا حاجةَ لكُمْ بها إنْ تَظهَرْ لكمْ تَغُمَّكم وتَحْزُنْكم وتَندَموا على السُّؤالِ عنها؛ لِما يترتَّبُ عليها من إحراجِكم، ومن المشقَّةِ عليكم، ومن الفضيحةِ لبعضِكم.

وإنْ تسألوا عنها وقْتَ نُزولِ الوَحْيِ، تَظهرْ لكم بما يَنزِلُ به الوَحْيُ، فيكون ذلك سَببًا للتَّكاليفِ الشَّاقَّة عليكم، وهذا النَّهيُ إنَّما كان وقْتَ نُزولِ الوحي الذي يُمكِنُ أنْ تَتغيَّرَ فيه الأحكامُ، أمَّا بعْدَ وَفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَجِبُ على الإنسانِ أنْ يَسأَلَ عمَّا أَشْكَل عليه في أُمورِ دينِه؛ لقولِه تعالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
وفي الحَديثِ: الزَّجرُ عن التَّعمُّقِ في الأسئلةِ التي لا فائدةَ منها، وهذا في كلِّ زَمانٍ.